والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله، وتضييقه ما فسحه.
ومن العجب أنه يقرىء الناس بهذه المذاهب، ويكره الصلاة بها! ففي أي موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟! وكان ابن عيينة «١» يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه، أو ائتم بقراءته: أن يعيد، ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث «٢» وأحمد بن حنبل.
وقد شغف بقراءته عوامّ الناس وسوقهم، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها، فإذا رأوه قد اختلف في أمّ الكتاب عشرا، وفي مائة آية شهرا، وفي السبع الطّول حولا، ورأوه عند قراءته مائل الشّدقين، دارّ الوريدين، راشح الجبينين- توهّموا أن ذلك لفضيلة في القراءة وحذق بها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القرّاء العالمين، بل كانت قراءتهم سهلة رسلة. وهكذا نختار لقراء القرآن في أورادهم ومحاربهم. فإما الغلام الرّيّض والمستأنف للتعلّم، فنختار له أن يؤخذ بالتحقيق عليه، من غير إفحاش في مدّ أو همز أو إدغام، لأن في ذلك تذليلا للّسان، وإطلاقا من الحبسة، وحلّا للعقدة.
وما أقلّ من سلم من هذه الطبقة في حرفه من الغلط والوهم:
فقد قرأ بعض المتقدمين: ما تلوته عليكم ولا أدرأتكم به [يونس: ١٦] فهمز، وإنما هو من دربت بكذا وكذا.
وقرأ: وما تنزلت به الشياطون [الشعراء: ٢١٠] توهم أنه جمع بالواو والنون.
وقرأ آخر: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ [الأعراف: ١٥٠] بفتح التاء، وكسر الميم، ونصب الأعداء. وإنما هو من: أشمت الله العدوّ فهو يشمته، ولا يقال: شمت الله العدوّ.
(٢) بشر بن الحارث: هو بشر الحافي، توفي سنة ٢٢٧ هـ. (انظر تاريخ بغداد ٧/ ٦٨- ٨٠، ووفيات الأعيان ١/ ٢٤٨- ٢٥١).