متعلّقا ومقالا لو قال: والأرض بعد ذلك خلقها أو ابتدأها أو أنشأها، وإنما قال:
دَحاها فابتدأ الخلق للأرض على ما في الآي الأول في يومين، ثم خلق السموات وكانت دخانا في يومين، ثم دحا بعد ذلك الأرض، أي بسطها ومدّها، وكانت ربوة مجتمعة، وأرساها بالجبال، وأنبت فيها النبات في يومين، فتلك ستة أيام سواء للسائلين، وهو معنى قول ابن عباس.
وقال مجاهد «١» : بعد ذلك في هذا الموضع، بمعنى (مع ذلك)، و (مع) و (بعد) في كلام العرب سواء.
وقوله: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) [الغاشية: ٦]، وهو يقول في موضع آخر: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) [الحاقة: ٣٥، ٣٦]، فإن النار دركات، والجنة درجات، وعلى قدر الذنوب والحسنات تقع العقوبات والمثوبات، فمن أهل النار من طعامه الزّقّوم، ومنهم من طعامه غسلين، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصّديد.
والضّريع: نبت يكون بالحجاز، يقال لرطبه: الشّبرق، لا يسمن ولا يشبع، قال امرؤ القيس «٢» :

فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم غوارب رمل ذي ألاء وشبرق
والعرب تصفه بذلك.
وغسلين: فعلين من غسلت، كأنه الغسالة، قال بعض المفسرين: هو ما يسيل من أجساد المعذّبين.
وهذا نحو قوله: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [إبراهيم: ٥٠] وسرابيلهم من قطر آن قراءة عكرمة ومن تابعه.
والقطر: النّحاس. والآن: الذي قد بلغ منتهى حرّه. كأن قوما يسربلون هذا،
(١) مجاهد: هو مجاهد بن جبير المخزومي، أبو الحجاج المقري المكي، مولى عبد الله بن السائب، وقيل: مولى السائب بن أبي السائب، فقيه محدّث تابعي ثقة. توفي بمكة سنة ١٠٢ هـ، وقيل:
١٠٣ هـ، وقيل: ١٠٤ هـ. صنّف «تفسير القرآن». (أسماء التابعين ١/ ٣٦٣، كشف الظنون ٦/ ٤).
(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص ١٦٩، ولسان العرب (شبرق)، والبيت بلا نسبة في رصف المباني ص ٥١. [.....]


الصفحة التالية
Icon