باب المتشابه
وأما قولهم: ماذا أراد بإنزال المتشابه في القرآن، من أراد بالقرآن لعباده الهدى والتّبيان؟.
- فالجواب عنه: أن القرآن نزل بألفاظ العرب ومعانيها، ومذاهبها في الإيجاز والاختصار، والإطالة والتوكيد، والإشارة إلى الشيء، وإغماض بعض المعاني حتى لا يظهر عليه إلا اللّقن «١»، وإظهار بعضها، وضرب الأمثال لما خفي.
ولو كان القرآن كله ظاهرا مكشوفا حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل، لبطل التفاضل بين الناس، وسقطت المحنة، وماتت الخواطر.
ومع الحاجة تقع الفكرة والحيلة، ومع الكفاية يقع العجز والبلادة.
وقالوا: عيب الغنى أنه يورث البله، وفضيلة الفقر أنه يبعث الحيلة.
وقال: أكثم بن صيفيّ: ما يسرّني أني مكفيّ كلّ أمر الدنيا. قيل له: ولم؟ قال:
أكره عادة العجز.
وكل باب من أبواب العلم: من الفقه والحساب والفرائض والنحو، فمنه ما يجلّ، ومنه ما يدقّ، ليرتقي المتعلم فيه رتبة بعد رتبة، حتى يبلغ منتهاه، ويدرك أقصاه ولتكون للعالم فضيلة النظر، وحسن الاستخراج، ولتقع المثوبة من الله على حسن العناية.
ولو كان كل فن من العلوم شيئا واحدا: لم يكن عالم ولا متعلم، ولا خفيّ ولا جليّ لأن فضائل الأشياء تعرف بأضدادها، فالخير يعرف بالشر، والنفع بالضرّ، والحلو بالمر، والقليل بالكثير، والصغير بالكبير، والباطن بالظاهر.
وعلى هذا المثال كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكلام صحابته والتابعين، وأشعار الشعراء، وكلام الخطباء- ليس منه شيء إلا وقد يأتي فيه المعنى اللطيف الذي يتخيّر فيه
(١) اللّقن: السريع الفهم.