مستأسدا ذبّانه في غيطل... يقلن للرّائد: أعشبت انزل
ولم يقل الذباب شيئا من هذا، ولكنه دل على نفسه بطنينه، ودل مكانه على المرعى، لأنه لا يجتمع إلا في عشب، فكأنه قال للرائد: هذا عشب فأنزل.
وقال آخر يصف ذئبا «١» :
يستخبر الرّيح إذا لم يسمع... بمثل مقراع الصّفا الموقّع
يريد: أنه يشتمم ثم يتّبع الرائحة بخطم كأنه الفأس التي يكسر بها الصخر، فجعل تشممه استخبارا.
قال أبو محمد:
وقد تبين لمن قد عرف اللغة، أن القول يقع فيه المجاز، فيقال: قال الحائط فمال، وقل برأسك إليّ، أي أمله، وقالت الناقة، وقال البعير.
ولا يقال في مثل هذا المعنى: تكلم، ولا يعقل الكلام إلا بالنطق بعينه، خلا موضع واحد وهو أن تتبين في شيء من الموات عبرة وموعظة فتقول خبّر وتكلم وذكّر، لأنه دلّك معنى فيه، فكأنه كلمك، وقال الشاعر «٢» :
وعظتك أجداث صمت... ونعتك ألسنة خفت
وتكلمت عن أوجه... تبلى وعن صور سبت
وأرتك قبرك في القبو... ر وأنت حيّ لم تمت
وقال الكميت يمدح رجلا «٣» :
أخبرت عن فعاله الأرض واستن... طق منها اليباب والمعمورا

العروس (عشب)، (أسد)، (مرع)، وكتاب العين ١/ ٢٦٢، ٧/ ٢٨٦، ومقاييس اللغة ٤/ ٣٢٣، وأساس البلاغة (عشب)، (أسد)، والطرائق الأدبية ص ٥٨، ولرؤبة في كتاب العين ١/ ١٢٨، وليس في ديوانه.
(١) يروى الشطر الأول من الرجز:
يستمخر الريح إذا لم يسمع والرجز بلا نسبة في لسان العرب (مخر)، (قرع)، وتاج العروس (مخر)، (قرع)، وديوان الأدب ١/ ٣١١.
(٢) الأبيات من المتقارب، وهي لأبي العتاهية في ديوانه ص ٥٢، وعيون الأخبار ٢/ ٣٠٦.
(٣) البيت من الخفيف، وهو في ديوان الكميت ١/ ٢٠٣، وأساس البلاغة (يبب)، والبيت بلا نسبة في مقاييس اللغة ٦/ ١٥١.


الصفحة التالية
Icon