الرجل وأكذبته- بقول الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام: ٣٣] ولا يكذبونك، وذكر أنّ أكذبت وكذّبت جميعا، بمعنى: نسبت إلى الكذب.
وليس ذاك كما تأوّل، وإنما معنى أكذبت الرجل: ألفيته كاذبا. وقول الله تبارك وتعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بالتخفيف أي: لا يجدونك كاذبا فيما جئت به، كما تقول: أبخلت الرجل وأجبنته وأحمقته، أي وجدته جبانا بخيلا أحمق.
وقال عمرو بن معد يكرب لبني سليم: قاتلناكم فما أجبنّاكم، وسألناكم فما أبخلناكم، وهجوناكم فما أفحمناكم أي: لم نجدكم جبناء، ولا بخلاء، ولا مفحمين.
وقال الكسائي «١» : العرب تقول: أكذبت الرجل: إذا أخبرت أنه رواية للكذب:
وكذّبته: إذا أخبرت أنه كاذب. ففرق بين المعنيين.
واحتج أيضا لأفعلت في معنى نسبت، بقول ذي الرّمة يصف ربعا «٢» :
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه | تكلّمني أحجاره وملاعبه |
ولا أعلم (له) في هذا حجّة، لأنا نقول: قد أرعى الله هذه الماشية، أي: أنبت لها ما ترعاه، فكذلك تقول: أسقى الله الربع، أي أنزل عليه مطرا يسقيه، وأنا أرعى الماشية، وأسقي الربع، أي أدعو لها بالمرعى، وله بالسّقيا.
واحتج آخر ببيت ذكر أنه لطرفة «٣» :
(٢) قبله:
وقفت على ربع لميّة ناقتي | فما زلت أبكي حوله وأخاطبه |
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان طرفة بن العبد ص ١٥٧ (طبعة مكس سلغسون)، ومقاييس اللغة ٣/ ١٨١، ولسان العرب (شرر)، وفيه «ذلكا» بدل «ذلك»، وتاج العروس (شرر)، والبيت بلا نسبة في ديوان الأدب ٣/ ١٥٧.