وتقول: كان هذا الفعل منك في وقت كذا وكذا والفعل لم يكن وإنما كوّن.
وتقول: كان الله. وكان بمعنى حدث، والله، جل وعز: قبل كل شيء بلا غاية، لم يحدث: فيكون بعد أن لم يكن.
والله تعالى يقول: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ [محمد: ٢١] وإنما يعزم عليه.
ويقول تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة: ١٦] وإنما يربح فيها.
ويقول: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [يوسف: ١٨] وإنما كذّب به.
ولو قلنا للمنكر لقوله: جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: ٧٧] كيف كنت أنت قائلا في جدار رأيته على شفا انهيار: رأيت جدارا ماذا؟ لم يجد بدّا من أن يقول: جدارا يهمّ أن ينقضّ، أو يكاد أن ينقضّ، أو يقارب أن ينقضّ. وأيّا ما قال فقد جعله فاعلا، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم، إلا بمثل هذه الألفاظ.
وأنشدني السّجستاني «١» عن أبي عبيدة «٢» في مثل قول الله: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ «٣» :
يريد الرّمح صدر أبي براء | ويرغب عن دماء بني عقيل |
إنّ دهرا يلفّ شملي بجمل | لزمان يهمّ بالإحسان |
(٢) أبو عبيدة: هو الحافظ أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري المنشأ، بغدادي الدار والوفاة، الفقيه اللغوي الأخباري، ولد سنة ١١٠ هـ، وتوفي سنة ٢٠٣ هـ، تقدمت ترجمته الوافية، مع ذكر مؤلفاته.
(٣) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في لسان العرب (رود)، وكتاب الصناعتين ص ٢١٢، وتفسير الطبري ١٦/ ١٨٦، ومجاز القرآن ١/ ٤١٠.
(٤) يروى صدر البيت بلفظ:
إن دهرا يلفّ حبلي بجمل والبيت من الخفيف، وهو لحسان بن ثابت في أساس البلاغة (لفف)، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب (دهر)، وتهذيب اللغة ٦/ ١٩٢، وديوان الأدب ١/ ١٠٧، وتاج العروس (دهر).