الخلاف تعارض الآثار بعضها مع بعض، ومعارضة ظاهر الكتاب لبعضها.
أما الآثار التي تدل على وجوب قراءتها:
فحديث عبادة بن الصامت، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» «١»
وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ الكتاب فهي خداج «٢» - ثلاثا- غير تمام» «٣».
أما ما يدلّ على عدم وجوبها، بل على قراءة ما تيسّر من القرآن
فحديث أبي هريرة أن رجلا دخل المسجد فصلّى، ثم جاء فسلّم على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فردّ عليه السّلام وقال: «ارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ» فصلى، ثم جاء، فأمره بالرجوع إلى فعل ذلك، ثلاث مرات، فقال: والذي بعثك بالحقّ ما أحسن غيره، فقال عليه الصلاة والسلام:
«إذا قمت إلى الصلاة فأسبع الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئنّ ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم افعل ذلك في صلاتك كلّها» «٤».
وأما الكتاب فقوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل: ٢٠] فهذا يدل على أنّ الواجب أن يقرأ أيّ شيء تيسّر من القرآن، فهو يعارض حديث عبادة، ويعضد حديث أبي هريرة الأخير، لأن الآية في القراءة في الصلاة بدليل قوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ إلى قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: ٢٠] ولم يختلف الأئمة في أنّ ذلك في شأن الصلاة في الليل، وقد اعتمد المالكية والشافعية
حديث عبادة: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
وحملوا النفي على نفي الحقيقة، وكأنّهم رأوا الآية من المبهم والحديث من المعيّن، والمبهم يحمل على المعيّن.
أما الحنفية فرأوا أن الآية تفيد التخيير، وليست من باب المطلق، فإنّ معنى (ما تيسر) أيّ شيء تيسر، فالآية دلت على التخيير، فإذا جاء بعد ذلك معين يكون ناسخا ولا نسخ هنا. قالوا: وقد جاء حديث أبي هريرة في تعليم الرجل صلاته معضّدا لما ذهبنا إليه.

(١) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٢٩٤)، ٤- كتاب الصلاة، ١١- باب وجوب قراءة الفاتحة حديث رقم (٣٤/ ٣٩٤).
(٢) الخداج أي النقصان، انظر لسان العرب لابن منظور (٢/ ٢٤٨).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٢٩٦)، ٤- كتاب الصلاة، ١١- باب وجوب قراءة الفاتحة حديث رقم (٣٨/ ٣٩٥).
(٤) رواه البخاري في الصحيح (١/ ٢٠٧)، ١٠- كتاب الأذان، ٩٥- باب وجوب القراءة للإمام حديث رقم (٧٥٧).


الصفحة التالية
Icon