قوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا [٢٧] قال: إن لله تعالى عباداً يذهبون إلى المساجد بعضهم على السرير، وبعضهم على المراكب من ذهب عليها سندس، وتجرها الملائكة.
قال أحمد بن سالم: كنت في أرض أصلحها، فرأيت سهلاً على فرش فوق ماء الفرات. وقال:
دخلت يوماً دار سهل وكان بابه صغيراً، فرأيت فرساً قائماً، فخرجت فزعاً، وتعجبت كيف دخل من هذا الباب الصغير، فرآني سهل وقال: ارجع، فرجعت فلم أر شيئاً. وحكي أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أشرف على أهل عرفات فقال: لو يعلم الجمع هنا بفناء من نزلوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة.
قوله: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ [٢٨] يعني الهدايا والضحايا. وحكي عن فتح الموصلي «١» أنه أشرف في يوم العيد على الموصل، فرأى الدخان في بيوت الناس، فقال: إلهي كم من متقرب إليك في هذه الليلة بقربان، وقد تقربت إليك بقربان، يعني الصلوات، فما أنت صانع فيه يا محبوب «٢». وحكي عن عدي بن ثابت الأنصاري «٣» أنه قال: قربان المتقين الصلاة «٤»، والله أعلم.
قوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [٢٩] قال: اختلف الناس فيه. قال الحسن: إنما سماه عتيقاً تكرمه له، كما تقول العرب: جسد عتيق، وفرس عتيق إذا كان كريماً. وحكى خاله محمد ابن سوار عن الثوري أنه قال: إنما قيل ذلك لأنه أقدم مساجد الله وأعتقها، كما قال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً [آل عمران: ٩٦]، وقال بعضهم: سماه عتيقاً لأنه لم يقصده جبار من الجبابرة بمكيدة إلا قصمه الله تعالى، فأعتق البيت منه. وقال بعضهم: لأنه أعتق من الغرق في زمن الطوفان، حيث رفع إلى السماء، وكما أعتق الله بيته كذلك أعتق قلب المؤمن
(٢) صفوة الصفوة ٤/ ١٨٨، والورع لابن حنبل ص ٩٢.
(٣) عدي بن ثابت الأنصاري (... - ١١٦ هـ) : عالم الشيعة الإمامية وصالحهم في عصره. قال الذهبي: لو كانت الشيعة مثله لقلّ شرهم. مولده ووفاته في الكوفة (الأعلام ٤/ ٢١٩).
(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٢/ ١٥٩ وتفسير القرطبي ٦/ ١٣٥.