قال سهل: روي عن ابن مسعود «١» رضي الله تعالى عنه أنه قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبصيامه إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يتكلمون، فينبغي أن يكون حامل القرآن باكيا حزينا حكيما عالما، لا جافيا ولا غائلا «٢»، يعني أن لا يكون كذابا. قال سهل: أخبرني محمد بن سوار «٣» أنه حج سنة من السنين فرأى أيوب السّختياني «٤» قد ابتدأ بأول القرآن مصليا، وإذا بناحية منه رجل من أهل البصرة مستقبل الكعبة قد ابتدأ بسورة: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: ١] وهو يردد قوله تعالى: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين: ٤] قال: فبلغ أيوب السختياني إلى ثلثي القرآن وذلك الرجل يردد هذه الآية، فلما كان عند السحر بلغ أيوب «الفيل»، وانتهى الرجل إلى قوله: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين: ٦] وغشي عليه، فتقدمنا إلى الرجل فوجدناه ميتا.
وقد اختلف الناس في طلب فهم القرآن، فقوم طلبوا فهم القرآن بتكرار درسه ليستخرجوا فهم ظاهر أحكامه، فمنهم مقلّ ومنهم مكثر عالم عامل لله تعالى بمنازل الجنة، وعامل لله تعالى إيجابا، وعالم به لا عامل له، وقوم طلبوه لحفظ التلاوة والتعليم لغيره، منهم سليم في فعله، ومنهم مغتر بربه، ورجل كثير الدرس له ومراده تعلم طلب الألحان، ويريد أن يشار إليه، ويكسب من حطام الدنيا، فهو من أخسر الثلاثة عند الله تعالى. قال سهل: وأخبرني محمد بن سوار عن عمرو بن مرداس «٥» عن أبي هريرة «٦» رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
(٢) شعب الإيمان ٢/ ٢٩٠ (رقم ١٨٠٧) وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ص ١٦٢ ونسب هذا القول إلى سفيان الثوري في المدخل إلى السنن الكبرى ص ٣٣٩ (رقم ٥٥٧).
(٣) محمد بن سوار: يقال إنه كان خال سهل بن عبد الله التستري. روي عن ابن عيينة، وعنه سهل. (تهذيب التهذيب ٩/ ١٨٦).
(٤) أيوب السختياني: أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري، أبو بكر (٦٦- ١٣١ هـ) : سيد فقهاء عصره. تابعي، من النساك الزهاد، من حفاظ الحديث. كان ثبتا ثقة. (الحلية ٣/ ٣).
(٥) عمرو بن مرداس: من رواة الحديث عن بلال وأبي هريرة. (الإصابة ت ٦٥١٥).
(٦) أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي (٢٠ ق هـ- ٥٩ هـ) : صحابي، كان أكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له. لزم صحبة النبي صلى الله عليه وسلّم. ولي إمرة المدينة مدة، ثم البحرين. (الإصابة، الكنى ت ١١٧٩ والحلية ١/ ٣٧٦).