إياه، إلاَّ سلط عليه إبليس يوسوس في صدره إلى نفسه بالهوى في معنى دعته إليه، أو يرجع باللجأ إلى ربه والاعتصام به، فستر الله بذكره في أوطانه عند الإقامة على النهي، حتى تم سابق علم الله إليه فيما نهاه عنه أن سيكون ذلك منه، وصار فعله علم سنّة في ذريته إلى يوم القيامة.
ولم يرد الله معاني الأكل في الحقيقة، وإنما أراد معاني مساكنة الهمة مع شيء هو غيره، أي لا يهتم بشيء هو غيري. فآدم صلوات الله عليه لم يعتصم من الهمة والفعل في الجنة، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك. وكذلك من ادعى ما ليس له، وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه فيه، لحقه الترك من الله عزَّ وجلَّ مع ما حل عليه نفسه إلاَّ إن رحمه، فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها، يعني إبليس، فأهل الجنة معصومون فيها من التدبير الذي كانوا به في دار الدنيا، فآدم صلوات الله عليه لم يعصم من مساكنة قلبه تدبير نفسه بالخلود لما أدخل الجنة، ألا ترى أن البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه، فغلب الهوى والشهوة على العلم والعقل والبيان ونور القلب لسابق القدر من الله تعالى، حتى انتهى كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل» «١».
[سورة البقرة (٢) : آية ٣٧]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)
وسئل عن قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ [٣٧] ما هذه الكلمات التي تلقاها من ربه؟ قال سهل: أخبرني محمد بن سوار عن أبيه عن الثوري «٢» عن عبد العزيز ابن رفيع «٣» عن عبد الله بن عمر «٤» رضي الله عنهما أنه قال: لما ذكر آدم صلوات الله عليه خطيئته قال: يا رب، أرأيتَ معصيتَك التي عصيتُك، أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني، أم شيء ابتدعته؟
قال: بل شيء كتبته عليك إنك ستفعله بترك العصمة مني قبل أن أخلقك بخمسين ألف عام. قال آدم صلوات الله عليه: فكما كتبته عليّ فاغفر لي، فإنا قد ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: ٢٣] أي
(٢) الثوري: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله (٩٧- ١٦١ هـ ٧١٦- ٧٧٨ م) : أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. (الحلية ٦/ ٣٥٦، ٧/ ٣ وتاريخ بغداد ٩/ ١٥١)
(٣) عبد العزيز بن رفيع الأسدي، أبو عبد الله المكي الطائفي (... - ١٣٠ هـ) : تابعي، ثقة، يقوم حديثه مقام الحجة. (تهذيب التهذيب ٦/ ٣٠١).
(٤) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي (١٠ ق هـ- ٧٣ هـ) : صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية.
كان جريئا جهيرا. شهد فتح مكة. وهو آخر من توفي فيها من الصحابة. أفتى الناس في الإسلام ستين سنة. (الحلية ١/ ٢٩٢ والإصابة ت ٤٨٢٥).