يُحْيِي وَيُمِيتُ
[٢٥٨] فيقول: أنت رأيته يحيي ويميت، فيطمئن قلبي إلى الإجابة بنعم إذا شاهدت ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ليس الخبر كالمعاينة» «١»، وقال سهل: وفيها وجه آخر أنه سأله أن يريه إحياء الموتى طمأنينة له في أنه اتخذ خليلاً. قال سهل: وفيه وجه آخر معناه:
أن سؤالي إياك لا أستحق به عليك إلاَّ ما تحققه لي، وذلك موقف الخواص من خلقه، فسؤالي إياك أن تريني إحياء الموتى ليطمئن قلبي مني، وقد كان في الجاهلية يسمى الخليل. قلنا فقوله:
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [٢٦٠] أي خلتي، هذا لما أعلمه أنك تحيي وتميت.
وسئل سهل: إذا بلغ العبد إلى كفاح العيان ما علامته في البيان؟ فقال: يغلب بطرد الشيطان، وهو أن النفس في معاينة الهوان، ولا سبيل إليه للنفس والشيطان بعزلهما عن الشيطان إلاَّ بحفظ الرحمن. وقال: [من الوافر]

كفايات الكفاح بحسن ظني كنسج العنكبوت بباب غار
وحسنُ الظَّنِّ جاوزَ كُلَّ حجبٍ وحُسْنُ الظَّنِّ جاوز نُورَ نار
علاماتُ الْمُقَرَّبِ وواضحات بعيدٌ أمْ قريبٌ ليلُ سارِ
فمنْ كانَ الإِله لهُ عِياناً فلا نومَ القرارِ إلى النهارِ
تقاضاه الإله لَهم ثلاثاً فهل من سائلٍ من لطف بارِ
متى نَجس الولوغ ببحر ود فدع شقي النباح بباب داري
ألا يا نفس والشيطان أخسوا كبطلان الوساوس والغمارِ
قوله: «كفايات الكفاح بحسن ظني» كأنه أشار إلى قوله: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ [فصلت: ٥٣] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى يا رب» وكذلك لما أنزلت أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ [التين: ٨] قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى يا رب» ومن طريق فهمهم القرآن: أوَ لم يَكْفِ بِرَبِّكَ يا محمد بنصرتك في الدنيا على أعدائك بالقتل والهزيمة، وفي العقبى بالمقام المحمود والشفاعة، وفي الجنة باللقاء والزيارة. وقوله: «كنسج العنكبوت بباب غار» وذلك أنَّ غار العارفين هو السر، واطلاع رب العالمين إذا بلغوا إلى مقام الكفاح، وهو عيان العيان بعد البيان، فليس بينهم وبين الله تعالى إلاَّ حجاب العبودية بنظره إلى صفات الربوبية والهوية والإلهية والصمدية إلى السرمدية بلا منع ولا حجاب، مثل من طريق الأمثال كنسيج العنكبوت حول قلبه، وسره فؤاده بلطف الربوبية وكمال الشفقة بلا حجاب بينه وبين الله تعالى كنسج العنكبوت بباب غار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرف الله به جميع أعدائه من صناديد قريش بدلالة إبليس إياهم عليه، كذلك أهل المعرفة إذا بلغوا
(١) نوادر الأصول ١/ ٢٩٣ ومجمع الزوائد ١/ ١٥٣ والمستدرك على الصحيحين رقم ٣٢٥٠.


الصفحة التالية
Icon