هذا ما تيسر ذكره من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية مما وردج ذكر المجاز صريحاً فيها في حر كلامه، ودلالتها على موقفه العام من المجاز وارتضائه إياه أمر لا يسوغ دفعه، ولا التقليل من شأنه.
وهذا يعتبر رجوعاً منه عما كتبه في الإيمان، فقد أقر في ما نقلناه عنه آنفاً بكل ما أنكره هناك. ومن يتمسك بعد ذلك بأن الإمام ابن تيمية لم يقر بالمجاز في حر كلامه فعليه أن يتصرف في هذه الأقوال القاطعة التي وردت عنه في مواضع متعددة من مؤلفاته، وفي حر كلامه. عليه أن يتصرف فيها إما بإنكار ورودها عنه، وليس إلى ذلك من سبيل، أو بتجريدها مما تدل عليه، وليس إلى ذلك من سبيل كذلك.
فلم يبق إذن إلا التسليم بأن للإمام بن تيمية مذهبين في المجاز هما:
مذهب جدلي نظري أنكر فيه المجاز في اللغة وفي القرآن الكريم، وقد دعاه إلى ذلك فزضى التأويل في عصره وقبل عصره، عملاً بالأصل المعروف لدى علماء أصول الفقه، وهو: سد الذرائع.
ومذهب عملي سلوكي طبقه على آيات من الذكر الحكيم كما تقدم.
ولا عجب ولا تناقض في موقفه من المجاز عند التحقيق فهم إمام جليل واسع المعرفة، ومناضل قدير، وفقيه مبرَّز، ومجتهد واع، ومن كانت هذه صفاته فله أن يتغير اجتهاده كسابقيه من الأئمة الفقهاء الأعلام. والمجاز - عموماً - ليس ركناً من أركان الإسلام فيُكَّفّر منُكره أو عبادةً مبتدعة فَيُفَسَّق مثبتُه، وإنما هو فن من فنون القول التي زخرت بها اللغة العربية التي نزل بها القرآن وكادت الأمة تجمع على اشتمال القرآن عليه لولا أولئك النفر القليلون الذين أنكروه بناء على شبهات لاحت لهم وقد أزال تلك الشبهات مجوزو المجاز بوعي واقتدار.


الصفحة التالية
Icon