الإطلاق حقيقة، وعند التقييد الخاص مجازاً. وإن كان ليس كل مقيد مجازاً.
والواقع يدفع دعوى الشيخ للتساوي بين الدلالتين. فهل كان العربي ذو السليقة العربية يفهم من قولنا: "أراد الرجل أن ينقض" نفس المعنى من قولنا: أراد الجدار أن ينقض؟ لو قلنا هذا لاتهمناه بالبلادة والعجز عن فهم لغته.
إن إرادة الرجل أو الإنسان العاقل موضع مدح إن كانت في الخير. وموضع ذم إن كانت في الشر. د
أما إرادة "الجدار" فلا تمدح ولا تذم. ولو كان العربي يفهم من تلك الإرادة ما يفهم من هذه الإرادة لما استحق أن يخاطبه الله بكلامه الرفيع المعجز.
والصياغة القرآنية نفسها ترد هذا الفهم. فالنظم القرآني يقول: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ قال فأقامه ليدل على أن المراد من "الإرادة" الاعوجاج والميل. أي أن موسى عليه السلام رأى الجدار مائلاً معوجاً فأقامه. يعني جعله قائماًَ مستوياً ولعل السر البياني هنا هو تصوير قرب الجدار من الانقضاض والتهدم، بإرادة المريد حقيقة لهذا التهدم، فكأنه هو الفاعل المختار لهذا الفعل.
أما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ فقد حاول الشيخ - رحمه الله - محاولات عديدة لاخراجها من المجاز عند الأصوليين والبيانيين وقد وسع دائرة الجدل حولها عله يلتقط خيطاً يصل به إلى المراد وننقل فيما يلي ما انتهى إليه من محاولاته. قال - رحمه الله -:
"فظهر أن مثل واسأل القرية من المدلول عليه بالاقتضاء وأنه ليس من المجاز عند جمهور الأصوليين القائلين بالمجاز في القرآن. وآحرى غيرهم - يعني البيانيين - مع أن حد المجاز لا يشمل مثل: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ لأن القرية فيه عند القائل به من مجاز النقص مستعملة في معناها الحقيقي، وإنما جاءها المجاز عندهم من قبيل النقص المؤدي لتغيير الإعراب. وقد قدمنا أن المحذوف مقتضى،