الفصل الأول الإمام ابن تيمية
حين يذكر الإمام ابن تيمية بين منكري المجاز فإنه يمثل في هذا المقام قطب الدائرة، لأن من أنكر المجاز قبله لم يتحمسوا للإنكار حماسته، ولم يثوروا ثورته، ولم ينزحوا نزحه، ولو يقلبوا وجوه القول تقليبه، ولم يكن بين أيديهم من دواعي الإنكار ما كان بين يديه.
فقد أدار ابن تيمية - رحمه الله - المعركة من جديد بسلاح جديد، واستأنف البحث من حيث لم يدر سابقوه، ولم يعتمد الإمام في إنكار المجاز على الأسباب التي أعتمد عليها سابقوه بل اجتهد ما وسعه الإجتهاد في التترس بدروع أخرى، وأخذ يرمي من ورائها سهامه.
وقد أعانه على ذلك إطلاع أتسعت أفاقه، وعقل أحتد ذكاؤه، وقدرة على الجدل والنظر لم تتجمع آلاتها في رجل كما تجمت فيه، إلى سبب اخر نعتبره نحن - كما اعتبره غيرنا - سبب الأسباب وراء تلك الحملة الضاربة التي شنها الإمام ابن تيمية على المجاز ومجوزيه.
ذلك السبب هو دخول المجاز - قبله وفي عصره - في مباحث العقيدة والتوحيد، وتعلقه بصفات الباري - عز وجل - وأن فريقاً من علماء الكلام أوسعوا دائرة التأويل في النصوص المقدسة من غير ضرورة. وأدعوا أن لألفاظ القرآن الحكيم ظاهراً وباطناً يخالف كل منهما الآخر. وتعسفوا في التأويل - كما قال الإمام عبد القاهر الجرجاني من قبل - وذكر صوراً كثيرة لفوضاهم في التأويل، وعبثهم في استنباط المعاني، مما لا يؤيده نقل ولا يسلم به عقل ولا يقر به ذوق.
ودخول المجاز في هذا المجال الخطير - مجال العقيدة والتوحيد - بعد أن كان قضية بلاغية نقدية، ولغوية جمالية، هو الذي أسعر نار الثورة على المجاز عند الإمام؛ لأنه رأي في مثل تأويل "يد الله" بالقدرة تعطيلاً لصفة من صفات الله،