ولقد رأينا مع ذلك أن نخالف ترتيب هذا المصحف بعض الشيء. فسور العلق والقلم والمزمل والمدثر التي وردت فيه كالسور الأولى والثانية والثالثة والرابعة بالتوالي ليست كذلك إلا بالنسبة لمطالعها فقط على أحسن تقدير، حيث إن ما يأتي بعد هذه المطالع لا يمكن أن يكون نزل إلّا بعد نزول سور وفصول غيرها، على ما سوف نشرحه في سياق تفسيرها، في حين أن هناك رواية معزوّة إلى ابن عباس ومجاهد «١» تذكر أن سورة الفاتحة التي تأتي الخامسة في ترتيب النزول هي أول ما نزل من القرآن. وهناك حديث أخرجه البيهقي والواحدي ووصف رجاله بالثقات عن شرحبيل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أن الفاتحة أول ما نزل من القرآن «٢». ولما كان هناك أحاديث صحيحة منها حديث رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها سنورده في سياق سورة العلق تذكر أن آيات سورة العلق الخمس الأولى هي أولى آيات القرآن نزولا «٣» فيمكن أن تحمل رواية أولية سورة الفاتحة على أنها أولى السور التامة نزولا بعد مطلع سورة العلق ومطالع السور الثلاث التالية لها في الترتيب والفاتحة بالإضافة إلى ذلك هي فاتحة المصحف، والواجب تلاوتها في كل ركعة صلاة، ولذلك رأينا أن تكون فاتحة التفسير أيضا.
وهناك أربع سور ذكر المصحف الذي اعتمدناه أنها مدنية وهي الزلزلة والإنسان والرحمن والرعد، في حين أن مضمونها وأسلوبها مشابهان كل المشابهة للسور المكية دون السور المدنية، وأن هناك روايات تذكر أنها مكية. ولذلك فسرناها في عداد السور المكية.
وهناك سور يمكن أن يلهم مضمونها أنها نزلت قبل سور متقدمة عليها في

(١) «الإتقان في علوم القرآن» ج ١ ص ٢٤- ٢٥.
(٢) انظر المصدر نفسه...
(٣) انظر المصدر نفسه. وانظر أيضا تفسير الفاتحة في «تفسير المنار» للسيد رشيد رضا. ومما ذكره السيوطي في «الإتقان» أنه لم يرو أنه كان في الإسلام صلاة بغير الفاتحة، وهذا من المرجحات.
الجزء الأول من التفسير الحديث ٢


الصفحة التالية
Icon