الرحيم»، وحديث رواه الترمذي والحاكم عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجهر بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم قبل سائر آيات السورة». وحديث رواه أبو داود والحاكم عن أم سلمة: «أنه كان يقرأ البسملة مع سائر آيات السورة».
وليس شيء حاسم في الصدد الذي نحن فيه إلّا في الحديث الأول ويظهر أنه لم يثبت عند أصحاب الأقوال الأخرى. وليس في الأحاديث الأخرى حسم بدليل اختلاف الأقوال في المسألة. ومما استدل عليه الذين قالوا إنها آية في كل سورة وضعها في مفتتح كل سورة باستثناء سورة التوبة لسبب خاص سوف نشرحه في مناسبتها. وقال غيرهم إن وضعها هو للتبرك وحسب. والذين قالوا إنها آية أصلية في الفاتحة اعتبروا جملة صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آية والذين قالوا إنها ليست أصلية قطعوا هذه الجملة إلى آيتين.
والجمهور على أن البسملة آية أصلية في هذه السورة دون غيرها. والله تعالى أعلم. وننبه على أن هذا الخلاف لا يمسّ كون جملة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جزءا من آية أصلية في الآية [٣٠] من سورة النمل.
ولقد أورد ابن كثير حديثا في سياق البسملة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء فيه: «كلّ أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم» «١». ولقد درج المسلمون منذ النبي صلّى الله عليه وسلّم على أن يبدأوا رسائلهم وكتبهم وعزماتهم وأكلهم وشربهم بالبسملة حتى غدت طابعا مميزا لهم. وهناك من يختصره ويكتفي بجملة باسم الله. حيث رويت أحاديث نبوية يأمر النبي فيها بعض المسلمين بقولها إذا أكلوا أو باشروا عملا أو عثروا «٢».
(٢) روى الأربعة عن عمر بن أبي سلمة قال: «كنت غلاما في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصّحفة فقال لي يا غلام سمّ الله وكل بيمينك» «التاج» ج ٣، ص ١٠٦. وروى ابن حجر في الفصل المذكور حديثا رواه أحمد جاء فيه: «كلّ أمر لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع». وقد يكون من هذا الباب حديث آخر رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» التاج ج ١ ص ٨٨.
الجزء الأول من التفسير الحديث ١٩