على سوء نيتهم، ولما رأوا بستانهم على هذه الحالة ذهلوا حتى لقد ظنوا أنهم ضلوا عنه، ثم عرفوا الحقيقة فأدركوا أنهم قد خسروا ثمرهم وحرموا منه، وكان فيهم رجل صالح عاقل كان ينصحهم بالاعتدال وعدم البغي فقال لهم: ألم أخبركم بما سوف ينتج عن سلوككم؟ وطلب منهم أن يستغفروا الله ويسبّحوه ويعترفوا بذنبهم، فأخذ بعضهم يلوم بعضا وسبّحوا الله واستغفروه واعترفوا بظلمهم وطغيانهم، وأعلنوا توبتهم وإنابتهم إلى الله على أمل أن يعوضهم بما هو خير مما خسروه وحرموا منه.
وقد ابتدأت الآيات بما يفهم منه أن الله قد امتحن المكذبين بما امتحن به أصحاب البستان، وانتهت بالتنويه بعذاب الله الشديد الذي يحل بالظالمين الجاحدين لنعمة الله في الدنيا وبالوعيد بعذاب الآخرة الذي ينتظرهم والذي هو أشد وأكبر.
تعليق على قصة البستان وهدفها
وقد روى المفسرون «١» أن البستان المذكور في القصة كان في اليمن والحبشة، وذكر بعضهم أنه كان لرجل من ثقيف، وأنه كان يترك ما يسقط من الثمر للفقراء، فلما مات وورثه أبناؤه قالوا إن أبانا لأحمق، وصمموا على حرمان الفقراء من ذلك. وبعبارة أخرى إن الحكاية لحادث واقعي. وروح الآيات ومضمونها يلهمان ذلك ويلهمان أيضا أن الحادث مما كان معروفا عند السامعين.
وضمير بَلَوْناهُمْ راجع مباشرة إلى المكذبين الذين حكت الآيات السابقة موقفهم وهم زعماء قريش كما هو المتبادر، وفي ذلك قرينة على أنهم كانوا يعرفون قصة البستان.
وواضح أن القصة أوردت في معرض التذكير والمثل. وهذا شأن جميع القصص والأمثال القرآنية والأسلوب القرآني في ذلك من خصوصيات القرآن،

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والنيسابوري مثلا.


الصفحة التالية
Icon