الروايات فإن من الممكن أن يقال إن هذا كان بتلقين الآية الأولى، ولا سيما أنها من الآيات المبكرة المتسقة مع ما ورد من الروايات، ومن الممكن أن تلهم بسبب ذلك معنى عمليا أكثر مما تلهمه مثيلاتها التي نزلت فيما بعد. ومع كل هذا فإننا نعتقد أن هذا قد كان لحماية أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأولين الذين كان فيهم الضعفاء والفقراء والذين كانوا يتعرضون للعدوان والبغي والأذى وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتوقف عن دعوته. وكل ما يحتمل أنه صار يتجنب الأعداء الألداء لدعوته وحركته من الزعماء أو يتحاشى مخاشنتهم وهذا ما تلهمه جملة وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا أيضا.
ولقد استمرت الآيات متواصلة في الأمر بالدعوة والإنذار. وفي حكاية ما كان يقع بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وزعماء الكفار من محاورات ومشادات مما فيه تأييد لذلك على ما سوف يأتي بعد.
تعليق على رواية نسخ حكم الآية: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا
ولقد روى الطبري وتابعه المفسرون عن قتادة وغيره من علماء التابعين أن هذه الآية نسخت بآية القتال أو آية السيف في سورة التوبة التي تأمر بقتال المشركين بدون هوادة إلى أن يسلموا وهي: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(٥).
ويورد المفسرون هذا القول في مناسبة كل آية مكية فيها أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالصبر والصفح والإعراض عن المشركين والكافرين أو التحريض والترقب وانتظار أمر الله أو فيها تنبيه إلى أنه ليس عليهم مسيطرا ولا جبارا وإنما هو منذر ومذكر.
والأمر يتحمل شيئا من البيان، فمن جهة أولى إن هذه الآيات في ظرف نزولها ومقامها استهدفت تسلية النبي وتثبيته وتهوين موقف الصد والمناوأة الذي