تستكثر ما تفعله من الخير وتمنن به أي تفخر به أو تحمل من تعطيه الجميل «١»، ويمكن أن تكون بمعنى أنك إذا لم تمنن بما تعطيه ييسر الله لك الأكثر منه، من باب لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم/ ٧].
ظاهر أن في ألفاظ بعض الآيات تأخيرا وتقديما لحفظ الوزن والقافية وأن تقديرها: وكبر ربك وطهر ثيابك واهجر الرجز ولا تستكثر ما تفعل ولا تمنن به أو لا تفعله للاستكثار من المقابلة عليه واصبر لحكم ربك، ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى شرح آخر.
وقد ذكرت الروايات أن هذه الآيات نزلت بعد فترة قصيرة من الوحي، بعد نزوله الأول على النبي صلّى الله عليه وسلّم في غار حراء. ومما جاء في حديث مروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثوت منه خوفا وجئت أهلي فقلت زملوني زملوني، وفي رواية دثروني دثروني، فدثروني فأنزل الله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى قوله وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. ثم تتابع الوحي «٢» وهناك روايات تذكر أنها أول ما أنزل أو أنها ثاني أو ثالث أو رابع مجموعة نزلت «٣».
ولما كانت الآيات التالية لها قد احتوت حكاية أقوال بعض المكذبين ومواقفهم، ولا يمكن أن يكون هذا إلّا بعد نزول جملة من القرآن وسير النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدعوة شوطا، فيكون ترتيب السورة المتقدم بسبب رواية تبكير نزول آياتها الأولى هذه.
والرواية التي تذكر أولية نزولها على غيرها وردت في حديث رواه البخاري

(١) انظر الطبري أيضا.
(٢) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وحديث جابر رواه الشيخان والترمذي أيضا بصيغة قريبة جدا. انظر التاج ج ٣ ص ٢٢٨.
(٣) انظر تفسير الآيات في تفسير الآلوسي وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٠- ٥٢ مطبعة الاستقامة.


الصفحة التالية
Icon