والهتاف بالأصوات العالية والصيحات الداوية حينما يراد تجميع الجموع لأمر هام. ولقد ورد في سورة ق ثلاث صور من ذلك معا، ففي آية ذكر نفخ الصور [٢٠] وفي آية ذكر المنادي [٤١] وفي آية ذكرت الصيحة [٤٢]. وقد يصح أن يضاف إلى ما قلناه أن فحوى وأسلوب الآيات والأحاديث يسوغان القول إن قصد التأثير على السامعين وبعث الخوف والرهبة في قلوبهم من يوم الحشر والحساب الأخروي وحملهم على تقوى الله لينالوا رضاءه وأمانه فيه من الحكمة المنطوية فيها، والله تعالى أعلم.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ١١ الى ١٧]
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)
كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧)
. (١) خلقت وحيدا: يمكن أن تكون الجملة بمعنى خلقته مجردا من كل قوة ومال وبنين. والآيات التالية تدعم هذا التأويل.
(٢) بنين شهودا: يمكن أن تكون الجملة بمعنى بنين حاضرين لديه لنصرته وقضاء مصالحه.
(٣) مهدت له: مكنت له.
(٤) سأرهقه صعودا: بمعنى سأتعبه وأحمله المشقات لأن المشقة تحصل عادة من الصعود للمرتفعات.
والآيات واضحة المعنى، وقد احتوت صورة لأحد الزعماء الأثرياء المغترين بوفرة المال وكثرة البنين والتمكن وهو طامع بأن يجد عند الله المزيد من ذلك.
ورد عليه وإنذار له فلن يكون له ما يطمع لأنه كان لآيات الله عنيدا رغم ما أغدقه عليه من النعم ولن يجد عند الله إلّا الصعاب والمشاق. وكلمة «ذرني» التي بدئت بها الآيات تلهم أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلّى الله عليه وسلم، فليترك لله هذا الجاحد العنيد فهو الكفيل بالنكال به.