وفي القرآن آيات أخرى تفيد أيضا صحة ما كان يدور في أذهان العرب عن السحر حيث ورد في سورة الأعراف في سياق قصة موسى وفرعون آية فيها حكاية لقول موسى عليه السلام للسحرة وهي هذه: قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)، وحيث ورد في سورة طه في سياق مماثل هذه الآية: قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦).
والمتبادر أن العرب بناء على هذه المفهومات كانوا يظنون ويزعمون أحيانا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ساحر وأحيانا أنه مسحور وأن القرآن سحر لأنهم رأوا النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول ما لم يعتادوه ويخبر بما لم يكن لهم به عهد وبما لا يمكن مشاهدته وإدراكه في العادة وبما ظنوه مستحيلا. ولأنهم سمعوا من القرآن بلاغة مؤثرة تذهب بلبّ السامع وتؤثر على روحه. ولعل نعتهم إياه بالمسحور كان يعني زعمهم أنه تحت تأثير السحر فيما يقوله ويخبر به ويدعيه ويتلوه.
والآيات التي أوردناها هي بسبيل حكاية الواقع سواء أفي ما ذكرته من أقوال العرب وأشارت إليه من مفهوماتهم أم فيما ذكرته في سياق قصة موسى عليه السلام وسحرة فرعون أكثر منها بسبيل تقرير حقيقة السحر.
وفي سورة البقرة آية في السحر استطرد المفسرون في سياقها إلى موضوع حقيقة السحر وأثره وحكمه وأوردوا بعض الأحاديث والمذاهب في ذلك رأينا أن نؤجلها إلى مناسبتها التي هي أكثر ملاءمة مكتفين الآن بما تقدم.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٢٦ الى ٣١]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١)