تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [٢٦٠]. والجملة التي نحن في صددها تتسق مع هذا الشرح من حيث إنها تصف الذين آمنوا بالرسالة المحمدية بالذين آمنوا وتقرر أنهم بتلقيهم الخبر الذي يبلغهم إياه النبي ﷺ عن الله بالتصديق والتسليم تبعا لإيمانهم بالله ورسوله فيكون ذلك مظهرا جديدا من مظاهر قوة يقينهم وإيمانهم عبر عنه بالزيادة. وهذا ملموح بقوة في آيات آل عمران والأنفال والتوبة والأحزاب التي أوردناها آنفا، ويزداد لمحها قوة من السياق الذي وردت فيه إذا ما أمعن النظر فيه أيضا. والذي يتمعن في الأحاديث النبوية لا يجد فيها على ما يتبادر لنا أية دلالة على ما أريد الاستدلال بها عليه من احتمال الزيادة والنقص في الإيمان لذاته.
وفي سورة الحجرات آيات فيها تدعيم لما يتبادر لنا أنه الصواب إن شاء الله وهي: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) [١٤- ١٥]. فقد علم الله تعالى أن الأعراب كانوا مشككين مرتابين وهذا يتناقض مع الإيمان فأمر نبيه بإجابتهم بأنهم لم يؤمنوا وكل ما في الأمر أنهم يمكن أن يقولوا أسلمنا لأنهم أذعنوا وخضعوا فقبل منهم ذلك تسامحا دون أن يستحقوا صفة الإيمان. ثم وصف المؤمنين الصادقين بأنهم الذين لم يرتابوا بعد أن آمنوا... والله تعالى أعلم.
هذا من ناحية الموضوع في ذاته. وأما من ناحية الجملة في مقامها وفي المقامات الأخرى التي وردت فيها فالذي يتبادر من روح الآيات والسياق أنها تورد في صدد التنبيه والتنويه والعظة في الأمر الذي جاءت له الجملة. وليست لأجل تقرير الموضوع من الناحية الكلامية والعقائدية. وأن الأولى أخذ الأمر على هذا الوجه والوقوف عنده. وهذا يقال بالنسبة لكثير من الآيات والجمل القرآنية التي يتشاد علماء المذاهب الكلامية حولها ويحاولون استنباط مذاهبهم منها أو الاستناد إليها.