والمصادر واسع جدا، وليس من الضروري أن تكون الكلمة عبرانية ودخيلة إلّا إذا فقد من العربية ما يمكن أن يكون أصلا لها. والحال في هذه الكلمة ليست كذلك ما دام يوجد في العربية جذر «ألك» بمعنى أرسل «١». ولا سيما أن من الممكن أن يكون هذا الجذر- أو أي جذر آخر يحتمل أن ترجع إليه الكلمة- مشتركا بين اللغتين. وهذا يقال بالنسبة لكلمات كثيرة يحلو لبعض الباحثين رجعها إلى العبرانية، والزعم بأنها دخيلة على العربية. وننبه إلى أننا لا نريد أن ننفي وجود كلمات كثيرة في اللغة العربية القرآنية معرّبة عن لغات أخرى. غير أن هذا قد كان قبل نزول القرآن وصار ما في اللغة العربية من ذلك جزءا من هذه اللغة بالصقل والاستعمال. وعلى كل حال فإن مما لا يحتمل شكا أن كلمة الملائكة ومفردها مما كان مستعملا في اللسان العربي قبل نزول القرآن ومما كان يعد من هذا اللسان، ومما كان مفهوم الدلالة عند العرب. ودليل هذا الحاسم هو في اتخاذ العرب الملائكة آلهة وشفعاء قبل الإسلام، واعتقادهم أنهم بنات الله على ما حكته عنهم آيات عديدة مثل آيات سورة الصافات هذه: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠)، وآيات سورة الزخرف هذه: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠) وقد حكى القرآن في آيات كثيرة أقوال الكفار عن الملائكة أيضا منها هذه الآية في سورة الأنعام: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [٨]، ومنها هذه الآيات في سورة الحجر: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧).
الجزء الأول من التفسير الحديث ٣٠