نشأة النبي صلّى الله عليه وسلّم منذ طفولته إلى نبوته
وفي الآيات [٦ و ٧ و ٨] إشارة إلى ما كانت عليه ظروف النبي صلّى الله عليه وسلّم في نشأته الشخصية والروحية وحاله الاقتصادية منذ طفولته إلى أن أكرمه الله بالنبوة، فأشير فيها إلى يتمه في عهد طفولته، وفقره في عهد فتوته وشبابه، ثم حيرته الروحية في الاتجاه الذي يتجه إليه في دينه وعبادته ومبادئه. وقد قررت أن الله قد حماه في عهد يتمه حيث كان اليتيم معرضا للإرهاق والقهر والضياع فجعل له مأوى أمينا، ويسّر له في عهد شبابه من بسطة العيش واليسر ما جعله في غنى عن التكسب وفي راحة من عناء المعيشة وهمها، ونقّى نفسه ووجّهه إلى سبيل الهدى القويم فأنقذه من حيرته.
والروايات تكاد تكون متواترة إلى حد اليقين «١» بأنه كان له من جده عبد المطلب أولا ومن عمه أبي طالب بعده من البرّ والرأفة والحماية والعناية في طفولته وشبابه ثم من عمّه بعد بعثته من النصر والعطف ما ضمن له النشأة الصالحة ثم الحرية والمنعة.
كذلك فإن الروايات تكاد تكون متواترة إلى حدّ اليقين «٢» بأن حاله الاقتصادية قد تحسنت وانتهى ما كان يعانيه من متاعب العيش بزواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها الشريفة في قومها، الغنية في مالها القوية في خلقها وعقلها وروحها، المتنعمة في معيشتها، وكان من أثر ذلك أن اطمأنت نفسه وأخذ يفرغ قلبه وذهنه لما كانت نفسه مستعدة له من الاستغراق في آلاء الله ومظاهر الكون والتفكير فيما عليه قومه من ضلال في التقاليد والعقائد، وتمكن من القيام باعتكافات روحية كانت خديجة رضي الله عنها تشجعه عليها وتهيىء له ما يحتاج إليه فيها على ما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة والذي أوردناه في سياق سورة العلق، حتى كان مظهر اختصاص الله إياه بالرسالة العظمى حينما بلغ أشده واستوى.
ولقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها عطوفة عليه بارة به، ومن أقوى
(٢) انظر طبقات ابن سعد ج ١ ص ١١٣ وما بعدها وانظر أيضا الأمرين في كتاب حياة محمد صلّى الله عليه وسلّم لهيكل طبعة ثانية ص ١٠٥- ١٣٢.