وذكر هذه المعبودات في آيات مبكرة وقبل أن تتجاوز الدعوة مدينة مكة وورود السؤال عنها في صيغة الخطاب القريب الذي يرجح أنه وجه لأهل مكة ثانيا وتواتر الروايات على أن أهل مكة كانوا يحلفون باللات والعزى وأنهم كانوا يسمون المعبودات الثلاثة الغرانيق العلى، ويهتفون بها ويقولون إن شفاعتها لترتجى، وأنهم كانوا يقسمون بها مضافة إلى تعبير العبودية أي «عبد العزى» و «عبد اللات» و «عبد مناة» وما يفيده هذا من اعتبارهم هذه المعبودات معبودات لهم ثالثا، وما في روايات السيرة من أن أبا جهل كان يقول للناس: إن محمدا يريد أن يصرفكم عن اللات والعزى. ومن هتاف أبي سفيان يوم أحد متفاخرا على المسلمين وقد نكبوا في هذا اليوم: «لنا العزى ولا عزى لكم» رابعا، كل هذا يجعل الرجحان للقول بأن هذه المعبودات الثلاث كانت في مكة وكانت معبودات لأهلها. وهذا لا يمنع أن تكون قبائل أخرى في مناطق أخرى مشتركة في عبادتها أو في عبادة بعضها أو أن يكون لها في هذه المناطق هياكل مشابهة لها. بل إن اختصاصها بالذكر في القرآن وهي الوحيدة التي ذكرت فيه كمعبودات عربية جاهلية يدل على أنه كان لها خطورة وعمومية عند العرب أو على الأقل في بلاد الحجاز. وانتشار الحلف باللات والعزى وانتشار تسميات عبد اللات وعبد العزى وعبد مناة في خارج مكة من قرى وقبائل على ما تذكره الروايات العديدة يؤيدان كلتا الخطورة والعمومية.
واعتبار العرب هذه المعبودات رموزا للملائكة يستلهم من مضمون الآيات وروحها حيث تربط بقوة بين هذه المعبودات وأسمائها المؤنثة وبين الملائكة.
وبين عقيدة العرب بأن الملائكة بنات الله وبين تسمية الملائكة بأسماء الإناث. وقد ذكر ذلك عنهم في آيات عديدة صريحة تارة، وضمنية تارة، مسفهة منددة مما مرت منه أمثلة في سياق تفسير سورة المدثر ومما سوف يأتي كثير منه بعد.
ولقد قلنا في تعريف كلمة «اللات» إن المفسرين قالوا إنها مؤنث الله. غير أن المعروف أن بين معبودات العراق القديمة معبودا اسمه «اللاتو» وأن هيرودت ذكر