ولقد روى المفسرون «١» روايات عديدة في مناسبة نزول الآيات أو القسم الأول منها. فهناك رواية بأنها نزلت في الوليد بن المغيرة الذي لان قلبه واتبع الرسول فعيره بعضهم فقال إني خشيت عذاب الآخرة فقال له أعطني بعض مالك وأنا أتحمل عنك ذلك العذاب فأعطاه شيئا ثم أمسك. ورواية بأنها نزلت في أبي جهل أو العاص بن وائل السهمي لأنهما كادا يقران برسالة النبي ثم نكصا.
ورواية بأنها نزلت في عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان بن عفان في الرضاعة لأنه خوف أخاه من ذهاب ماله من كثرة ما أنفق في سبيل الله فقال له إن لي ذنوبا كثيرة أرجو بما أفعله عفو الله فقال له أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك.
والحوادث المروية لا تتطابق مع نص الآيات ومضمونها. ومع أننا نرجح أن يكون شخص معين فعل شيئا مما ورد في الآيات فاستحق ما احتوته من حملة تنديدية فإن عدم انفصاح السلسلة عما قبلها يسوغ القول إن فعل هذا الشخص كان وسيلة وموضوعا لحملة عامة مطلقة تشمله وتشمل أمثاله. وتقرر ما قررته من مبادئ وتذكر بما ذكرت به من مواضع العبر السالفة مما جرى النظم القرآني عليه كثيرا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق تفسير الآية [١٢٤] من سورة البقرة أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها توضيح لجملة وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) منها حديث رواه أبو أمامة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإبراهيم الذي وفّى أتدرون ما وفّى؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: وفّى عمل يوم أربع ركعات في النهار». وحديث رواه أنس قال: «قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ألا أخبركم لم سمّى الله خليله الذي وفّى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى يختم الآيات». والأحاديث لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة، والخبر من المغيبات يجب الوقوف منها عند ما وقف عنده القرآن ما دام ليس هناك أثر نبوي وثيق فيها.

(١) انظر تفسيرها في كتب تفسير الطبري والبغوي والزمخشري.


الصفحة التالية
Icon