ودمر قراهم وجعل عاليها سافلها وترك آثارها للعبرة. وفي القرآن آيات تشير إلى ذلك وإلى الجهة التي فيها هذه الآثار وهي آيات سورة الصافات هذه: وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) والآيات تفيد أن هذه الآثار في طريق قوافل أهل بيئة النبي صلّى الله عليه وسلّم ويمرون عليها في الصباح وبالليل. والمقصود من ذلك على ما هو المتواتر آثار سدوم وعمورة على شاطئ البحر الميت الذي كان في طريق قوافل أهل الحجاز إلى فلسطين ومصر. ولقد ذكرت قصة لوط وقومه في الإصحاحات ١٢- ١٩ من سفر التكوين بشيء من الإسهاب متطابق إجمالا مع ما جاء في القرآن مع شيء من التغاير. وسنعلق على ذلك في المناسبات الآتية التي جاءت هذه القصة أكثر بيانا وإسهابا.
والمتبادر أن سامعي القرآن كانوا كذلك يعرفون هذه القصة من الكتابيين وفي كتب التفسير بيانات كثيرة على هامشها أيضا معزوة إلى علماء الصدر الإسلامي الأول مما فيه دليل على ذلك.
ولقد ذكرت الكتب العربية اسم الشعرى الوارد في الآيات وقالت إنه النجم الوقّاد الذي يتبع الجوزاء وإن هناك شعريين شعرى العبور وشعرى الغميضاء وإن العرب كانت تتعبدهما ويقال لهما أختا سهيل أيضا. وروت بعض الأساطير حولهما «١». والمتبادر من الأسلوب الذي ذكرت به الشعرى في الآيات أن القصد من ذلك تنبيه السامعين إلى أن الله عز وجل هو رب ذلك المعبود الذي يسمونه الشعرى ويعبدونه.
وصحف إبراهيم وموسى ذكرت في سورة الأعلى وقد نبهنا في سياق تفسير هذه السورة إلى القصد من ذلك وعلقنا على الموضوع بما فيه الكفاية. ولقد قال المفسرون في معنى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى النجم [٣٧] الذي قام بما أمره الله به

(١) انظر بلوغ الأرب للآلوسي ج ٢ ص ٢٣٩ وما بعدها، وانظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير.


الصفحة التالية
Icon