وقد انتهت بتقرير كون الدعوة إنما هي تذكير للناس لا إلزام فيه ولا إبرام، فمن شاء الخير تذكّر وانتفع، ومن لم يشأ فعليه وبال أمره.
وقد روي أن الآيات نزلت بمناسبة مجيء أعمى مسلم يتفق جمهور المفسرين على أنه ابن أم مكتوم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ليسأله في بعض شؤون الدين في وقت كان يتحدث فيه مع بعض الزعماء بأمر الدعوة، وأن الأعمى قد ألحّ في السؤال حتى بدت الكراهية في وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم وظل منصرفا معرضا عنه ماضيا في حديثه مع الزعيم الذي روي في رواية أنه عتبة بن ربيعة وفي رواية أنه أبو جهل وفي رواية أنهم كانوا ثلاثة وهم عتبة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب «١»، وروح الآيات تلهم صحة الرواية إجمالا.
مدى العتاب الرباني للنبي صلّى الله عليه وسلّم وما في آيات سورة عبس الأولى من تلقين ومبادئ
وهذه أول مرة ينزل فيها قرآن فيه عتاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وروح الآيات ومضمونها يلهمان أن العتاب إنما كان على مخالفة النبي صلّى الله عليه وسلّم لما هو الأولى. فالنبي صلّى الله عليه وسلّم كان في موقف المجتهد فيما رآه الأولى. والمستغرق في دعوته ونشرها والحريص على النجاح فيها، وليس في موقف الممتنع عن تعليم الأعمى وتنويره وليس في هذا شيء يناقض العصمة النبوية.
وفي العتاب وأسلوبه ومفهومه وروحه تهذيب رباني عظيم المدى للنبي صلّى الله عليه وسلّم وفي إعلان النبي صلّى الله عليه وسلّم العتاب يتجلى الصدق النبوي العميق الذي يملك النفس والقلب ويملأهما بالإعظام والإجلال.
وفي الآيات تلقينات ومبادئ أخلاقية واجتماعية وسلوكية جليلة مستمرة المدى، ففيها إشادة بذوي النيات الحسنة من الناس الذين يسعون وراء الخير والمعرفة صادقي الرغبة في الاستفادة والاستنارة وصالح العمل، وإيجاب الاهتمام