تعليق على روايات نزول القرآن جملة واحدة
ولقد أورد المفسرون في سياق هذه السورة روايات وأقوالا تتضمن فيما تتضمنه أن القرآن أنزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم أخذ ينزل منجّما أي مفرقا، وأن ما عنته هذه السورة هو هذا حيث قصدت جميع القرآن «١». ولقد أورد ابن كثير في سياق تفسير آية البقرة [١٨٥] عن الإمام أحمد حديثا رواه عن واثلة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزلت صحف إبراهيم في أول رمضان والتوراة لست خلت منه والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه». وأورد حديثا آخر رواه جابر بن عبد الله فيه زيادة عن الزبور وتعديل لوقت الإنجيل حيث جاء فيه: «إن الزبور نزل لثنتي عشرة خلت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة خلت منه». والمتبادر أن الأحاديث بسبيل ذكر نزول هذه الكتب في هذه الأوقات دفعة واحدة. والأحاديث لم ترد في الكتب الخمسة، ولقد روى بعضهم عن الشعبي أن الآية الأولى من سورة القدر تعني «إنّا ابتدأنا بإنزاله في ليلة القدر» «٢». والنفس تطمئن بقول الشعبي هذا، وبأن هذا السورة وآيات سورة الدخان التي أوردناها آنفا وآية سورة البقرة هذه:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [١٨٥] قد عنت بدء نزول القرآن، وبأن سورة القدر قد احتوت تنويها بعظم حادث بدء نزول القرآن وجلالة قدره، وبخطورة الليلة التي شرّف الله قدرها، بحدوث هذا الحادث العظيم فيها. أما إنزال القرآن جميعه دفعة واحدة إلى سماء الدنيا فليس عليه دليل من القرآن أو من الحديث الصحيح. ولا يبدو له حكمة كما لا يبدو أنه منسجم مع طبيعة الأشياء حيث احتوت معظم فصول القرآن صور السيرة النبوية المتنوعة في مكة أولا ثم في المدينة وكثيرا ما كانت تنزل في مناسبات

(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري والنيسابوري وابن كثير والبغوي والطبرسي والزمخشري.
(٢) انظر تفسير السورة في تفسير الزمخشري والطبرسي أيضا وانظر تفسير آية شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن من البقرة في تفسير المنار وانظر الإتقان للسيوطي ج ١ ص ٤٢ وانظر كتابنا القرآن المجيد ص ٢٨١ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon