رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)
. ولقد ظل معظم العرب من بدو وحضر منقبضين عن الدعوة إلى السنّة الهجرية الثامنة فلما يسّر الله سبحانه وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فتح مكة ودخل أهلها في الإسلام أخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجا على ما جاء في سورة النصر: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
حيث يبدو من هذا أثر الموقف الذي وقفته قريش بزعامة سادتها وكبرائها وأغنيائها في سيرة الدعوة الإسلامية الذي يدل على ما كان لها من خطورة في المجتمع العربي، وعلى هدف هذه السورة التي اختصتهم بالهتاف وذكرتهم بأفضال الله عليهم ونبهتهم إلى وجوب مقابلة ذلك بالشكر والاستجابة لدعوته.
ولقد تعددت الأقوال في معنى قريش واشتقاقها، فهناك قول بأن هذا الاسم مقتبس من اسم دابة بحرية قوية تظهر في سواحل البحر الأحمر الحجازية وهي القرش. وهناك قول بأنه من التقرش بمعنى التجمع، أو التقرش بمعنى التجارة، وهناك قول بأن هذا الاسم أطلق على بطون قريش قبل قصي الجد الرابع للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي اجتمعت هذه البطون تحت لوائه، والإجماع منعقد على أن هذه القبيلة تمتّ إلى عدنان أولا ومضر ثانيا من الأجداد الأولين. وقد كان من المتداول قبل البعثة النبوية أن عدنان من أنسال إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي أسكنه أبوه في وادي مكة وتزوج من جرهم إحدى قبائل العرب فيه. وإسكان إبراهيم لابنه إسماعيل في وادي مكة مشار إليه في القرآن في آية سورة إبراهيم هذه: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧).
ولقد ذكر في الإصحاح السادس عشر من سفر التكوين المتداول اليوم وهو أول أسفار العهد القديم أن إبراهيم عليه السلام صرف إسماعيل مع أمه تلبية لطلب سارة زوجته التي غارت منهما وإن هاجر تاهت مع ابنها في برية بئر سبع ونفد الماء