الجد وحفيده صحيحة كما في الحديث «١». ولم يذكر ابن القيم من أين استقى هذا والراجح أنه قرأ سفر التكوين المتداول اليوم. وفي الإصحاح (٣٣) من هذا السفر خبر بناء يعقوب مذبحا للرب وأنه دعاه باسم القدير إله إسرائيل في قطعة حقل اشتراها عند شليم مدينة أهل شليم، وشليم هذه كانت عاصمة ملك اسمه ملكيصادق على ما جاء في الإصحاح (١٤) من السفر المذكور. وشراح الأسفار يراوحون الظن في شليم بين أن تكون مدينة أورشليم التي عرفت باسم بيت المقدس أو مدينة يقوم مكانها اليوم قرية اسمها سالم قريبة من نابلس. والظاهر أن ابن القيم رجح الظن الأول واعتبر يعقوب هو المنشئ الأول لمسجد بيت المقدس الذي سمي في القرآن والحديث المسجد الأقصى.
وعلى كل حال فإن من واجب المسلم الإيمان بكل ما يثبت صدوره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا يشمل حديث أبي ذر إذا كان صادرا يقينا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس فيه ما يمنع ذلك. وليس هناك من دليل تاريخي يقيني وعقلي صحيح ينفي ما جاء فيه.
وفيه تساوق مع كلام الله الذي يقرر السبق والأولوية للبيت. ومن الحكمة التي قد تلمح فيه بالإضافة إلى ذلك توكيد فضل البيت الذي صار حجه واستقباله في الصلاة من أركان دين المسلمين وصلاتهم على كل بيت آخر من بيوت الله تعالى.
ولقد روى الشيخان والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في سواه، إلّا المسجد الحرام» «٢». وفي رواية ابن ماجه: «وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه» «٣» مما فيه توكيد لذلك الفضل الذي تلمح حكمة توكيده في الحديث الأول، والله تعالى أعلم.
وهناك أحاديث وروايات وشروح أخرى متصلة بظروف وكيفية بناء الكعبة
(٢) التاج ج ١ ص ٢١٠.
(٣) المصدر نفسه.
الجز الثاني التفسير الحديث ١٢