وفي كل كبيرة وصغيرة وجليلة ودقيقة من خلق الله وملكوته، وفي عالم الحياة والجماد من الدقة والإتقان ما يبعث الذهول في النفس ويملأها بالدهشة، وليس البنان وتكوينه إلّا نقطة من محيط عظيم، وعدم التشابه بعد ليس محصورا في أصابع اليد وبصماتها بل هو شامل لكل أعضاء الناس وأشكالهم وصورهم! بل ليس هو خاصا بالبشر وإنما هو شامل لمخلوقات الله عز وجل على اختلافها وكل ما هنالك أن الذهن البشري اهتدى إلى طريقة تسجيل البصمة للدلالة على الشخصية فانتشرت لأنها سهلة، واختصاص البنان بالذكر ليس بدعا في القرآن يستلزم استنتاج أمور خاصة منه فقد جرت حكمة التنزيل القرآني على اختصاص شؤون بالذكر دون شؤون، وأعمال دون أعمال، وأخلاق دون أخلاق في معرض العظة والتذكير والإنذار والتبشير دون أن يكون الشيء المختص بالذكر هو الأهم والأخطر دائما، وقد مرّ من ذلك أمثلة نبهنا إليها.
ويستشهد بعضهم للتدليل على هذا المذهب ببعض آيات القرآن ومنها آية سورة فصلت هذه: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) ومنها آيات سورة الذاريات هذه:
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وليس في الآيات ما يؤيد مذهبهم في تطبيق الآيات والإشارات القرآنية على ما يظهر من نواميس الكون والأنفس التي لم تكن معروفة. وهي تخاطب السامعين الجاحدين للرسالة النبوية وتنذرهم. والآية التي تلي آية سورة فصلت تنطوي على دليل حاسم على ذلك وهي: أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤) وكذلك الأمر في الآيات التي تلت آيات سورة الذاريات.
وواضح من هذا أنه ليس من مانع من الاستشهاد بالعبارات القرآنية على ما في الكون من عظمة وإبداع ونواميس وعجائب ظاهرة وخفية أو مكتشفة حديثا. بل هذا واجب لأن حكمة التنزيل قد هدفت إلى التدليل على عظمة الخالق وشمول قدرته وإيجاب الاتجاه إليه وحده فيما استعملته من أساليب التنبيه والاسترخاء


الصفحة التالية
Icon