تعليق على تسخير الجبال والطير يسبّحن مع داود
وفي صدد ما جاء في الآيتين [١٨ و ١٩] اللتين ذكر فيهما تسخير الجبال وحشر الطير لداود عليه السلام وتسبيحهن معه نقول: إن ذكر ذلك قد تكرر مرة ثانية في سورة سبأ بصيغة تختلف قليلا وهي: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) وإن أكثر المفسرين اكتفوا بالقول إن الله قد سخّر الجبال وحشر الطير لداود يسبّحن معه أو يرجعن تسبيحه وأوّلوا جملة أَوِّبِي مَعَهُ بمعنى سبحي معه أو رجّعي تسبيحه، وبعضهم زاد فقال: إن الله خلق فيها حياة ونطقا «١» ومما قاله الطبري كان إذا سبّح أجابته الجبال واجتمعت إليه الطير.
ومما قاله ابن كثير إن الله منح داود عليه السلام صوتا عظيما فكان يسبّح به عند شروق الشمس وغروبها فتسبّح معه الجبال الراسيات وتقف له الطيور السارحات الغاديات الرائحات وتجاوبه مسبّحة معه بأنواع اللغات «٢»، ومما قاله القاسمي «٣» إنه كان لصوت داود الحسن دويّ في الجبال وحنين من الطيور إليه وترجيع، ومع ما في كلام المفسرين من وجاهة فإن ظاهر الآيات يدلّ على أن ذلك امتياز خصّ الله سبحانه به داود عليه السلام.
ومن الجدير بالذكر أن تسبيح الجبال والطير مع داود وتسخيرهما لم يرد في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم التي روت سيرة داود بشيء من الإسهاب على ما ذكرناه قبل. وهذا لا ينفي أن يكون ذلك واردا في أسفار وقراطيس كان اليهود يتداولونها في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم فقدت. ولقد كان القرآن يتلى علنا ويسمعه أهل الكتاب ولا يمكن أن يكون ذلك جزافا. وفي كتب التفسير بيانات مروية عن علماء الصدر الإسلامي الأول تدور في نطاق ما جاء في الآيات حيث يمكن أن يدلّ هذا
(٢) انظر تفسير الآيات في تفسير ابن كثير والقاسمي.
(٣) انظر المصدر نفسه.