وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)
وقد احتوت الآية تثبيتا مثل التثبيت الذي احتوته الآيات التي نحن في صددها.
ولقد حكت آيات عديدة مرّت أمثلة منها ما كان من مواقف النبي صلّى الله عليه وسلّم القوية الجريئة في مواجهة طواغيت الكفار كما حكت آيات عديدة ما كان من عمق إيمانه برسالته واستغراقه فيها مثل آية سورة الأنعام هذه: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) وآية سورة الأحقاف هذه:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨). حيث يتبادر من ذلك أن ذلك ليس بسبيل بيان كون صدر النبي صلّى الله عليه وسلّم يضيق فعلا بتبليغ القرآن للناس لأنه قد بلغ المرتبة التي خلصت نفسه بها من كل تردد أو نفاد صبر أو ضيق صدر بإعلان ما يوحى إليه أو شبهة في علوّ كلمة الله في النهاية. وإنما كان يعتلج في نفسه همّ وحزن دائمان بسبب وقوف الزعماء موقف العناد والمناوأة والصدّ، وانكماش أكثرية الناس عن دعوته نتيجة لذلك، على شدّة حرصه على هدايتهم فكانت حكمة التنزيل تقتضي موالاته بالتثبيت والتهوين على ما شرحناه في سياق تفسير سورة (ق) والعبارة هنا من هذا الباب.
ولقد سبق الكلام عن مدى تعبير الموازين وثقلها وخفتها في سياق تفسير سورة القارعة فلا حاجة إلى الإعادة. وإنما نذكر في مناسبة ورود جملة وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ما ينطوي في الجملة من الإشارة إلى العدل الرباني في محاسبة الناس ونيل كل واحد نصيبه الحق بالعدل، وقد تكررت هذه الجملة في سورة أخرى.
وتعبير وَما كُنَّا غائِبِينَ قد يقوّي توجيهنا في سورة (ق) في صدد تعابير القرناء والشهداء وكتّاب الأعمال عن أيمان الناس وشمائلهم وكونها تعابير أسلوبية للتقريب والتمثيل وكون علم المحيط وقدرته الشاملة في غنى عن ذلك.