على رسل النبي صلّى الله عليه وسلّم وقوافل المسلمين «١».
وآية التوبة هذه: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) تضمنت إشارة إلى ذلك وحصرت أمر القتال في الفئات التي لا تدين دين الحق ولا تحرم ما حرم الله ورسوله من الكتابيين دون سائرهم وحملات الفتح التي سيرها أبو بكر رضي الله عنه وما بعدها هي امتداد لهذه الحملات حيث كانت حالة الحرب التي نشأت عن العدوان قائمة. ووصايا النبي صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء رضي الله عنهم لقواد هذه الحملات بألّا يقاتلوا إلّا من يقاتلهم وبأن يسالموا من يسالمهم وبأن يتركوا من لا يتعرض لهم ومن يعتزلهم وشأنه وأن لا يقتلوا النساء والصبيان معروفة مشهورة «٢». ولو كان قتال كل كافر وكل مشرك مبدأ إسلاميا لاقتضى أن يقاتل كل كافر وكل مشرك مهما كانت حالته وسنه وموقفه وهذا لم يحصل إطلاقا لا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا في زمن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم. وقتال أبي بكر للمرتدين وعدم قبوله منهم إلّا الإسلام والاستسلام حالة أخرى لأن الارتداد كان ضد الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي في الدرجة الأولى «٣».
(٢) طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٣٢ والطبرسي ج ٢ ص ٥٢٠ وما بعدها وأشهر مشاهير الإسلام ج ١ ص ٦٦ وما بعدها. ولقد روى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر قال ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه على رأس جيش إلى الشام «إني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نخلا ولا تغلل ولا تجبن وإنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له».
(٣) انظر تفسير آية سورة البقرة [١٩٠] : وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ في تفسير الخازن والطبرسي والزمخشري وتفسير آية سورة البقرة [١٩٣] : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ
في تفسير الطبرسي والزمخشري وتفسير آيات سورة التوبة [١- ١٣] في تفسير الخازن. ففي أقوال هؤلاء المفسرين في تفسير هذه الآيات نماذج لأقوال المفسرين وتأويلاتهم التي ذكرناها في مطلع البحث، وانظر تفسير آية [١٩٠] : وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وآية [١٩٣] : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ في تفسير المنار للسيد رشيد رضا، فهو مطابق لما قلناه من عدم إساغته لتأويل الفتنة بالشرك وعدم إساغته لنسخ الاية الأولى. وعزا إلى الإمام محمد عبده أنه ردهما. ج ٢ ص ٢٠٩ الطبعة الأولى لسنة ١٣٥٢ هـ- ١٩٣٤ م.