(١٥) الفؤاد: كناية عن القوة الواعية المدركة في الإنسان.
(١٦) تمارونه: تجادلونه.
في الآيات قسم رباني في معرض التوكيد بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذهل ولم ينحرف عن الحق والصدق، ولم ينطق بما نطق ولم يبلغ ما بلغ كذبا وشفاء لهوى النفس وخيلائها، وبأن ما أخبر به هو وحي أوحي إليه، وقد أبلغه إياه رسول رباني قوي صادق، وقد رآه في أفق السماء وقد اقترب منه إلى مسافة قريبة جدا، ومن المكابرة أن تجادلوه فيما رآه وعاينه.
وواضح من هذا أن الآيات بسبيل وصف مشهد شهده النبي صلّى الله عليه وسلّم وتوكيد صدق ما أخبر به من ذلك.
ولقد روى الشيخان والترمذي في فصل التفسير في سياق تفسير هذه الآيات حديثا عن الشيباني قال: «سألت زرا عن قوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى النجم [٩- ١١] فقال: أخبرنا عبد الله أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رأى جبريل له ستمائة جناح» «١». وروى البخاري حديثا عن مسروق جاء فيه: «قال مسروق لعائشة أين قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى النجم [٨- ٩] قالت: ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجال وأتاه هذه المرة في صورته الأصلية فسدّ الأفق» «٢».
وأكثر المفسرين «٣» يرجحون أن المشهد هو مشهد جبريل عليه السلام الذي رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالأفق الأعلى، وهو الأوجه فيما هو المتبادر.
ولقد ورد في سورة التكوير آيات فيها بعض ما في هذه الآيات من وصف لملك الله ورؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم له بالأفق وتوكيد ذلك وهي: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)
(٢) المصدر نفسه.
(٣) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والنيسابوري إلخ.