لكل ما صدر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من فعل وقول طيلة حياته إطلاقا حسب ما شرحناه آنفا.
وهذا لا يمس العصمة النبوية التي يجب الإيمان بها لا على ذلك المعنى الذي يجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يمتنع عليه أن يصدر منه أي قول أو فعل أو اجتهاد في مختلف شؤون الحياة والناس، قد يكون فيه الخطأ والصواب وخلاف الأولى الذي في علم الله والذي لا ينكشف له إلّا بوحي، مما لا يمكن أن ينتفي عن الطبيعة البشرية النبوية المقررة في القرآن، وإنما على المعنى الذي يرتفع به النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى العصمة عن أي إثم أو جريمة أو فاحشة أو مخالفة للقرآن فعلا وقولا، وعن كتم أي شيء أوحي به إليه أو تحريفه وتبديله وذلك نتيجة لما وصل إليه بنعمة الله وفضله من كمال الخلق والروح والعقل والإيمان والاستغراق في الله الذي جعله أهلا للاصطفاء الرباني «١».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٣ الى ١٨]
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)
(١) رآه: ضمير الفاعل عائد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وضمير المفعول عائد إلى جبريل عليه السلام على ما عليه جمهور المفسرين.
(٢) سدرة المنتهى: شجرة السدرة التي ينتهي عندها التقدم أو الشوط.
(٣) جنة المأوى: قال بعض المفسرين إنها جنة خاصة على يمين العرش يأوي إليها أرواح الشهداء (انظر الكشاف والطبري) وقد وردت كلمة المأوى مضافة إلى «الجنات» بالجمع وبمعنى المثوى مطلقا للناجين والخاسرين معا. وقال ابن كثير: إن جنة المأوى وجنات المأوى هي التي يكون فيها منازل ومساكن للإقامة بالإضافة إلى الأشجار والمياه.