يتبادر لنا فأرجحناه من أنه مشهد روحاني إن لم يكن رؤيا منامية قصها على أصحابه متوخيا ما ذكرناه من إنذار وترهيب وترغيب وحث وتحذير، ويسوغ القول إن هناك التباسا في الروايات أو من الرواة بسبب بعد الحادث الذي وقع في أواسط العهد المكي، والله أعلم.
ونريد أن تحسن الظن في ذكاء الذين انتقدوا ترجيحنا في الطبعة الأولى بأن المعراج ومشاهده مشاهد روحانية إن لم تكن رؤيا منامية فلا نود لهم أن يكونوا قد ظنوا أننا في ما رجحناه ننكر قدرة الله على خرق النواميس. فاعترافنا بقدرة الله الشاملة ومعجزاته للنبي صلّى الله عليه وسلّم والأنبياء وما في ملكوت الله وعلمه من عجائب مذهلة يقصر العقل الإنساني عن إدراكها لا يحتاج إلى تكرار وتوكيد في هذه المناسبة. غير أن ترجيحنا إنما كان بسبب الأحاديث المتضاربة في كون المعراج بالروح أو الجسد واليقظة أو المنام ومكان الانطلاق أولا وما روي في صدد كون آيات النجم التي تتخذ قرينة عليه هي في مشهد جبريل عليه السلام ثانيا، والتماثل العجيب بين كثير من المشاهد التي وردت في أحاديث المعراج والمنامات النبوية التي قصها النبي صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه ثالثا، وكون الرؤيا المنامية أو المشهد الروحاني هما اللذان يتحملان دون اليقظة والجسد معنى انتقاد الزمان والمكان ورؤية المشاهد العجيبة المذهلة الدنيوية والأخروية والسماوية والأرضية والسابقة والحاضرة واللاحقة إلى آخر الحياة في لمحة أو لحظة رابعا. والله تعالى أعلم.
ونحن إذ نرجح أن المعراج رؤيا منامية أو مشهد روحاني مماثل لما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم في مناماته التي قص فيها على أصحابه ما رآه فيها من مشاهد ونبههم إلى ما فيها من عبر ونذر نقرر أن رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم حق. وأن ما يمكن أن يكون قصه على أصحابه مما شاء الله تعالى أن يجليه له من مشاهد متنوعة في السماء والأرض وأن يبلغه إياه من أوامر ونواه وأن يريه إياه من مصائر الأتقياء، والمنحرفين هو حق ومن جملة ذلك كيفية فرض الخمسين صلاة ثم تخفيفها بالمراجعة إلى خمس. ولقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه أنه زار على رأس المؤمنين المسجد الحرام فاعتبر ذلك أمرا ربانيا


الصفحة التالية
Icon