ومهما تكن الوثنية وطابعها طاغيين على عقائد الأمم السابقة والموجودة على اختلاف الأجناس والألوان والأقطار فإنه يلمح فيها دائما فكرة الاعتقاد بإله أعظم وراء الكون والاتجاه إليه بصورة ما. ومع احتمال أن يكون ذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها كما جاء في آية سورة الروم هذه فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.. [٣٠] بعد أن شاءت حكمة الله أن يكون بنو آدم متميزين عن سائر خلقه بالعقل والتفكير وقابلية التمييز بين الخير والشر والهدى والضلال، وقابلية الاختبار، فإن احتمال كون ذلك، من أثر دعوة نذر الله ورسله أيضا واردا.
وعلى كل حال فمن الواجب على المسلم الإيمان بما جاء في الآيات القرآنية من ذلك، والله تعالى أعلم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)
(١) جدد: مفرده جدة، وكلمة جدد تعني طرائق أو خطوط أو قطع.
(٢) غرابيب سود: الغرابيب جمع غربيب وهو الشديد السواد.
في الآية لفت نظر إلى بعض مظاهر خلق الله ونواميس كونه. فالله ينزل من السماء ماء فيخرج به نباتا مختلف الألوان والأنواع والأشكال. وقد خلق الجبال فيها الطرائق المختلفة الألوان كذلك من حمر وبيض وسود وهذا التنوع في الخلق مشهود أيضا في الناس والأنعام والدواب، وفي كل ذلك دلائل على قدرته وعظمته وبديع صنعته من شأنها أن تثير الخشية في القلوب منه وخاصة قلوب العلماء الذين هم أكثر من غيرهم إدراكا لهذه الدلائل. وقد انتهت بتقرير صفتي العزة والغفران لله