أما الآية الثانية فقد قررت أن الله وحده هو الذي يمسك السموات والأرض من الزوال والسقوط والفناء، وحينما يريد ذلك لن يستطيع أحد أن يحول دونه.
وإنه مع ذلك يحلم على عباده فلا يعجل عليهم بالنقمة رغما عمّا يصدر منهم من موجباتها، وإنه لغفور تتسع مغفرته لذنوبهم إذا ما استغفروه وتابوا إليه. والمتبادر أن الآية الثانية تتمّة للأولى في صدد ما احتوته من تحدّ للمشركين لتوكيد تصرف الله عز وجل المطلق في السموات والأرض خلقا وإبقاء وزوالا دون ما شريك ولا معارض ولا مانع.
ولم يرو المفسرون مناسبة خاصة لهاتين الآيتين اللتين وجه الخطاب في أولاهما إلى المشركين بصيغة الضمير المخاطب مما يسوغ القول إن الأمر بسؤال النبي ﷺ للمشركين وتحديهم كان أسلوبيا لحكاية حال المشركين وتوكيد وهن موقفهم، وليس في صدد موقف حجاجي وجاهي كما قد يوهم الضمير المخاطب.
وقد تكرر هذا الأسلوب في مواضع كثيرة من القرآن. والجملة التي جاءت بمثابة جواب في الآية الأولى نفسها قد تدل على ذلك. وقد ورد الضمير فيها بصيغة الغائب.
وعلى هذا فإن الآيتين متصلتان بما سبقهما، وبخاصة بالسابقات القريبات التي احتوت وصف سوء مصير الكفار وإنذارهم وما ينالهم من مقت وخسارة من جرّاء كفرهم.
تلقين جملة إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً في مقامها
ولقد احتوت الفقرات الأخيرة من الآية الثانية تلقينا جليلا فيما انطوى في صفتي الحلم والغفران الربانيتين من المعنى العظيم، وبخاصة في مقام ورودهما على ما شرحناه. ولقد تكرر هذا في مناسبات كثيرة وبأساليب متنوعة منها ما سبق ونبهنا إليه مما يؤكد ويؤيد ما شرحناه في سياق سورة البروج من أن منح فرصة الصلاح والإصلاح والإنابة إلى الله تعالى للمذنب والمقصر والجاحد بالتوبة من