يذكرون للعرب أن نبيا عربيا سيبعث وكتابا عربيا سينزل وأنهم سيكونون حزبه «١»، مما انطوى على ذلك قرينة قوية في آية سورة البقرة هذه وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) وهذه وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) «٢» بل ومما انطوى على ذلك قرينة قوية في آية سورة الأعراف هذه الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(١٥٧) التي يمكن أن تلهم أن اليهود والنصارى معا في الحجاز ومكة كانوا يتحدثون عن نبي عربي أمّيّ يبعث، ويذكرون صفاته التي يجدونها في التوراة والإنجيل، فكان العرب أو الفريق المستنير منهم ينتظرون تحقق ذلك ويقسمون بأنهم سيكونون حينئذ أهدى به من النصارى واليهود.
والآيات التي تذكر إيمان من آمن من اليهود والنصارى وفرحهم بما نزل من القرآن على النبي ﷺ وشهادتهم بأنه منزل بالحق من الله تعالى وكونهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، والتي أوردناها في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا مما يدعم ذلك.
وبذلك كله استحكمت حجة آيات سورتي فاطر والأنعام الدامغة القوية على كفار العرب وبخاصة الفريق المستنير الذي كان يقود حركة الصدّ والمناوأة للنبي ﷺ ودعوته لأن ما كانوا ينتظرونه ويتمنونه قد تحقق، وحقّ عليهم التنديد القوي الذي احتوته لأنهم نكثوا أيمانهم وخالفوا أقوالهم ووقفوا مواقف الظلم والبغي.
(٢) انظر تفسير الآيتين أيضا في الطبري وابن كثير ورشيد رضا وغيرهم حيث روى المفسرون في سياقهما روايات تطابق ما ذكرناه.