ومع أننا لا نرى طائلا في الأمر لأن القصة لم ترد للتاريخ، فإن مما يلحظ أن ما قاله شعيب لأصحاب الأيكة، هو تقريبا ما ذكر من أقواله في سورة الأعراف لقومه أهل مدين، وإن أهل مدين وأصحاب الأيكة لم يرد ذكرهما في سلسلة واحدة أو سياق واحد في القرآن، مما يلهم أنهم شيء واحد. وهذا رأي فريق من المفسرين أيضا. أما عدم وصف شعيب عليه السلام بوصف أخيهم هنا، فإن حكمته غابت عنا. ولقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا «القرآن المجيد» واستلهمنا منه فورية تدوين الفصول القرآنية عند نزولها.
والجديد في قصة شعيب عليه السلام ذكر قوله لقومه إنه لا يطلب منهم أجرا وقولهم له إنه ليس إلّا بشرا مثلهم وإنهم ليظنونه كاذبا ومسحورا، وتحديهم له بإسقاط كسف عليهم من السماء. وفي هذا تماثل بين أقوال شعيب عليه السلام وقومه وأقوال النبي ﷺ وقومه مما فيه تسلية وتطمين للنبي ﷺ وإنذار للكفار.
تعليق عام على القصص
هذا، ويلحظ بوجه عام أولا أن في تكرار حكاية أقوال الأنبياء بأنهم رسل أمناء لأقوامهم وبأنهم لا يسألونهم أجرا وإنما أجرهم على الله ومماثلة ذلك لما أمر النبي ﷺ بقوله لقومه مرة بعد أخرى مما مرّت أمثلة منه في سور الفرقان وص والقلم ومنه آية سورة سبأ هذه قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) حجة مفحة للكفار العرب على إخلاص النبي ﷺ وتجرده عن كل مطلب دنيوي كما كان شأن الأنبياء السابقين من قبله، ومما لا يصدر إلّا من الأنبياء الذين اصطفاهم الله لمهمة الدعوة إليه والإنذار والتبشير والذين امتلأت قلوبهم بالإيمان الذي أغناهم عن كل مطلب دنيوي، وجعلهم يقومون بأعظم الأعباء ويتحملون أفدح المشاق، مطمئنّة قلوبهم قريرة عيونهم، كل سعادتهم وأمانيّهم أن تنجح دعوتهم وأن يكونوا الوسيلة إلى نجاة أممهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة. وثانيا أن في تكرار تذكير العرب بقوة الأمم السابقة وكثرة أموالهم وتمكناهم تقوية لإنذار كفار العرب الذين حكت آيات عديدة تبجحهم بما