(٤) فطرني: تكررت اشتقاقات فطر كثيرا في القرآن. وأكثر ما جاءت في معنى الإيجاد والخلق بدءا ولأول مرة. وهي هنا بهذا المعنى. وأصل معناها اللغوي شقّ وجاء بعض اشتقاقاتها بمعنى التشقق والتصدّع والشقوق. ومعنى شقّ لا يبعد كثيرا عن معنى الخلق والإيجاد لأول مرة.
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في وَاضْرِبْ لَهُمْ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما هو المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي ﷺ النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل إلخ «١».
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي ﷺ بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة