جاءهم فلن يكون الإمهال والإنظار مجديا لأنهم وقد انطبعوا على الإجرام والكفر لن يرتدعوا ويرعووا. وإذا كان الله تعالى قد أرسل إليهم نذيرا فتلك سنته التي جرى عليها من حيث إنه لم يهلك قرية إلا بعد أن يرسل إليها منذرين. لأنه ليس ظالما ليهلك الناس بدون إنذار وإعذار.
والآيتان الأخريان جاءتا بمثابة تعقيب على ما قبلهما. وقد تكرر ذلك في مثل هذا المقام، ومن ذلك آية سورة الإسراء وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥).
والآيات في الجملة قوية في إفحامها وإنذارها وإعذارها وتبكيتها وروحها وفحواها. تلهم بقوة أنها استهدفت فيما استهدفته أيضا تسلية النبي ﷺ عن عدم إيمان الكفار وعن مواقفهم التكذيبية. ولما كان كثير من سامعي القرآن قد آمنوا في حياة النبي ﷺ فيمكن أن يقال إنّ الآيات تسجيل لواقع الأمر حين نزولها على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة.
ولقد قال البغوي والخازن وابن كثير إن الضمير في سَلَكْناهُ عائد إلى الكفر وإن الجملة بمعنى أننا أدخلنا الكفر في قلوب المجرمين. وإن الضمير في لا يُؤْمِنُونَ بِهِ عائد إلى القرآن. وقال الزمخشري والطبرسي إن الضمير في المقامين عائد إلى القرآن وإن معنى الكلام: إن الله تعالى ألقى القرآن على قلوبهم فلم يؤمنوا به تحديا للعذاب الذي أوعدوا به. ويتبادر لنا أن هذا هو الأوجه، لأن القرآن فقط هو المذكور، في الآيات السابقة للآيتين اللتين فيهما الكلمتان. والضمير يعود إلى الأقرب المذكور، والله يقول إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ فيتنزه عن أن يدخل الكفر في قلوب عباده والله تعالى أعلم.
على أنه ليس في الآيات محل للتوهم حتى نوضح رأي المفسرين الأولين بأن الله قد أدخل الكفر إلى قلوبهم، فكلمة المجرمين في الآية قرينة قوية بل حاسمة على أن ذلك كان لأنهم مجرمون فاسدوا الأخلاق والسرائر ومن قبيل يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) والله أعلم.