ذلك فلا يكون إلّا من قبيل الإمهال إلى حين كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السانحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة وَآيَةٌ لَهُمُ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال: «كنت جالسا عند النبي ﷺ في المسجد فلما غربت الشمس قال يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها».
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ «١» مع وجوب
الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي ﷺ في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات من تبدّل مشاهد الكون عند ما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.