جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي ﷺ أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآياته لتكلمهم أو تبكتهم.
ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات.
فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [٨٢] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في (تكلمهم) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيي الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة. حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم. وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمروا على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلّا دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف الْأَنْعامِ