مشهد يسجل فيه أثر الدعوة المحمدية والقرآن في أهل الكتاب ودلالته
والآيات تنطوي في حدّ ذاتها على مشهد من مشاهد الدعوة النبوية وأثرها في الكتابين الذين سمعوا القرآن من النبي محمد ﷺ مباشرة والذين لا بدّ من أنهم جادلوه وسبروا أمره ثم لم يسعهم إلّا التسليم والإيمان حينما شاهدوا أعلام نبوته الصادقة وسمعوا من تقريرات القرآن ما هو متطابق في جوهره مع جوهر الكتب التي عندهم دون مبالاة بتعنيف المشركين الأقوياء وتنديدهم. وتنطوي بالتالي على شهادة خالدة بأن الكتابيين حينما يكونون في معزل عن المؤثرات أو في قدرة على عدم المبالاة بها، متجردين من الأنانية والهوى والمآرب وعلى شيء من حسن الإدراك وسعة الأفق وصفاء الطوية لا يسعهم إلّا الإقرار بما في الرسالة المحمدية من حق وبما في القرآن من صدق وبما في الدين الإسلامي من صفاء وجلاء وشفاء للنفوس الطيبة الصالحة، ثم من حلول للمشكلات والإشكالات والتعقيدات الدينية والعقائدية والنفسية والدنيوية والأخروية، ومن استجابة إلى الرغبات المشروعة ومن هدى ورحمة للناس أجمعين في كل مكان وزمان.
وإذا لوحظ أن هذا المشهد كان في مكة وهو ما نرجحه على ضوء الآيات المكية المماثلة على ما ذكرناه وأن النبي ﷺ في قلة وضعف أمام أكثرية ساحقة كافرة مناوئة ازداد مغزاه ومداه قوة وروعة وإفحاما لكل مكابرة.
ولقد روى البغوي في سياق هذه الآيات حديثا عن أبي موسى الأشعري قال «قال رسول الله ﷺ ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين. رجل كانت له جارية فأدّبها فأحسن تأديبها ثمّ أعتقها وتزوّجها. ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمّد. وعبد أحسن عبادة الله ونصح لسيّده» «١» حيث ينطوي في الحديث توضيح لحكمة إيتاء المؤمنين من أهل الكتاب أجرهم مرتين ولقد علل هذا المفسر جملة

(١) أورد هذا الحديث ابن كثير أيضا وقال إنه ورد في الصحيح.


الصفحة التالية
Icon