ومع أن القرآن قرر في مواضع عديدة مرّت أمثلة منها أن الله عز وجل لم يعذب الناس إلّا بعد أن يرسل إليهم الرسل والمنذرين ويكفروا برسالاتهم وبالله ويبغوا ويفسدوا. وإن عذاب من يعذبهم وثواب من يثيبهم منهم نتيجة لمواقفهم من دعوة رسله ومنذريه هو حق عليه. وأنه ليس بظلام للعبيد. فإننا نرى واجب السملمين اليوم أن يكفوا عن مجاراة علماء الكلام القدماء في ما كانوا يقولونه حينما كانوا يتجادلون مع بعضهم. وأن يكتفوا بما قرره القرآن ويقفوا عنده دون مماحكة ومراء وأن يتذكروا أن الله الحكيم العادل يعامل خلقه بمقتضى هاتين الصفتين وكفى.
ورابعا: لقد أثار المفسر ابن كثير في سياق هذه الآية مسألة المصير الأخروي لمن يموتون في طفولتهم والمجانين والصمّ والبكم والذين لم تبلغهم دعوة ربانية بواسطة رسله وكتبه. وقد أورد ابن كثير أحاديث عديدة معزوّة إلى النبي ﷺ فيها تضارب وغرابة ووصف بعضها بالمرفوع وبعضها بالضعيف. وليس فيها حديث صحيح يمكن الاحتجاج به نفيا وإثباتا في هذه المسألة ولم نطلع نحن أيضا على مثل هذا الحديث. وما دام في القرآن نصوص صريحة بأن الله لا يعذب إلّا بعد أن يرسل رسلا ومنذرين ويكفر الناس بهم وأن الله لا يكلف نفسا إلّا وسعها ويدخل في مدى هذا التكليف الرباني الذي يترتب عليه الثواب والعقاب والذي إنما يكون بالنسبة للراشدين العاقلين الذين تبلغهم رسالات الله بواسطة رسله فإننا نرى الأولى أن يوقف في هذه المسألة عند هذه النصوص من الوجهة الكلامية. ونرى في الوقت نفسه أن في إثارتها في نطاق وسياق الآية تكلفا لا ضرورة له ولا طائل منه، والله تعالى أعلم.
مذهب السلف الصالح في فهم القرآن وأسباب انفتاح باب الجدل والكلام حوله
ومن الجدير بالذكر في هذه المناسبة- ويصح أن يذكر في كل مناسبة مماثلة سابقة ولا حقة- أن السلف الإسلامي الأول رضي الله عنه كان يأخذ القرآن بمفهومه