وقد سبق في سورة الفرقان مجموعة رائعة. غير أنها جاءت بأسلوب التنويه بأخلاق عباد الله الصالحين، في حين جاءت هذه بصيغة الأوامر والنواهي والوصايا والإلزام والتنبيه، وهي من هذه الناحية ومن ناحية شمولها أجمع وأقوى جوامع القرآن في صدد الأخلاق الدينية والاجتماعية والشخصية التي من شأنها أن تكفل رضاء الله وعنايته، وأن تحفظ الناس من الشرور والمهالك وأن تضمن لهم السعادة والطمأنينة، وأن تبثّ فيهم روح التعاون والتراحم والإخاء، وأن تجنبهم ما لا يليق بالكرامة الإنسانية والشعور الإنساني من مواقف وحركات.
ومما يحسن لفت النظر إليه أن الوصايا لم تذكر مجردة وإنما ردفت بأسباب التحسين والتقبيح العقلية وصيغت بأسلوب مؤثر مقنع مما امتاز به الأسلوب القرآني بوجه عام، كذلك من الجدير بالذكر أن الأوامر والوصايا جاءت بأسلوب الترغيب والتحذير والترهيب دون التشريع. لأن هذا إنما كان في العهد المدني الذي صار للمسلمين فيه دولة برئاسة النبي صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك فمعظم ما نزل فيه تشريع مدني من المحذورات والمحظورات والواجبات والتكاليف قد ذكرت بأسلوب الترغيب والتحذير في القرآن المكي حيث ينطوي في هذا أن أسس الرسالة الإسلامية ومحكماتها أصيلة وطيدة منذ البدء. وفي هذا ردّ على المغرضين الذين يقولون كذبا وافتراء إن الإسلام ونبيّه قد تطوّرا وتحوّلا عمّا كانا عليه في العهد المكي حتى الجهاد الذي هو دفاعي في الإسلام قد احتوى القرآن المكي نواته في آية من آيات سورة الشورى على ما سوف نشرحه في مناسبته.
تعليق على الآية إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إلخ
هذه الآية جاءت في وضعها بمثابة تهدئة وتنبيه للناس. فقد جرت عادة الله عزّ وجل على بسط الرزق وتقتيره لأنه الأخبر الأبصر بمصالح عباده.
وقد يلمح فيها مع ذلك إلى هذا والله تعالى أعلم قصد الإشارة إلى النظام