والآيتان الثالثة والرابعة تشيران إلى ما كان الكفار يقولونه للمؤمنين حينما كانوا يسمعون القرآن ويرون شدة تأثرهم به، وحينما كانوا يتسارّون فيما بينهم، حيث كانوا يقولون لهم إنكم تتبعون رجلا مسحورا، وقد نددتا بهم ووصفتاهم بالظلم والضلال والعجز عن الحجة والتمحل بالافتراء الباطل. وبتشبيههم حالة النبي ﷺ بما في أذهانهم من صور وأمثال لا يمكن أن تنطبق عليه، مما عنته آية انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا. (٤٨)
والآية الثالثة تحتمل أن تكون بسبيل تقرير أن الكفار كانوا يعيرون المؤمنين ويسفّهون رأيهم مواجهة أيضا، ويساعد على هذا الاحتمال صيغة الخطاب في عبارة تَتَّبِعُونَ وفي هذا صورة لما كان يقع بين المسلمين والكفار من صلات وحجاج ونقاش.
والمتبادر أن الكفار حينما كانوا يصفون النبي ﷺ بالمسحور كانوا يريدون أن يقولوا إنه فيما يقوله وينذر به من أمر الآخرة والحساب والجنة والنار يشبه حالة المسحور الذي يرى ما لا يرى حقيقة، ويتوهم وجود ما لا وجود له حقيقة، وينذر بشيء لا يدخل في نطاق العقل والواقع والممكن، وفي الآيات التالية توكيد لذلك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
. (١) رفاتا: ذرات بالية.
(٢) ينغضون رؤوسهم: يهزونها هزة استنكار أو استهزاء.


الصفحة التالية
Icon